صفحة رقم ٥١٠
النصارى فكفروا بالجنة وقالوا : لا طعام فيها ولا شرب - انتهى.
قلت : وكذا قال اليهود لأن الفريقين أنكروا الحشر الجسماني وخصوه بالروحاني.
ولما كانوا ينكرون أنهم على ذلك، لملازمتهم لكثير من محاسن الأعمال، البعيدة عن الضلال، بين لهم السبب في بطلان سعيهم بقوله :( أولئك ) أي البعداء البغضاء ) الذين كفروا ) أي أوقعوا الستر والتغطية لما من حقه أن يظهر ويشهر، مستهينين ) بأيات ربهم ( من كلامه وأفعاله، وبين سبب هذا الكفر بقوله :( ولقائه ) أي فصاروا لا يخافون فلا يردهم شيء عن أهوائهم ) فحبطت ) أي سقطت وبطلت وفسدت بسبب جحدهم للدلائل ) أعمالهم ( لعدم بنائها على أساس الإيمان ) فلا ) أي فتسبب عن سقوطها أنا لا ) نقيم لهم ( ما لنا من الكبرياء والعظمة المانعين من اعتراض أحد علينا أو شفاعته بغير إذننا لدينا ) يوم القيامة وزناً ) أي لا نعتبرهم لكونهم جهلوا أمرنا الذي لا شيء أظهر منه، وآمنوا مكرنا ولا شيء أخطر منه.
ولما كان هذا السياق في الدلالة على أن لهم جهنم أوضح من الشمس قال :( ذلك ) أي الأمر العظيم الذي بيناه من وعيدهم ) جزاؤهم ( لكن لما كان حاكماً بضلالهم وغباوتهم، بين الجزاء بقوله :( جهنم ( وصرح بالسببية بقوله :( بما كفروا ) أي وقعوا التغطية للدلائل ) واتخذوا ءاياتي ( التي هي مع إنارتها أجد الجد وأبعد شيء عن الهزل ) ورسلي ( المؤيدين بباهر أفعالي مع ما لهم من الشهامة والفضل ) هزواً ( فلم يكتفوا بالكفر الذي هو طعن في الإلهية حتى ضموا إليه الهزء الذي هو أعظم احتقار.
ولما بين ما لأحد قسمي أهل الجمع تنفيراً عنهم، بين ما للآخر على تقدير الجواب لسؤال تقتضيه الحال ترغيباً والاقتداء بهم، فقال :( إن الذين ءامنوا ) أي باشروا الإيمان ) وعملوا ( تصديقاً لإيمانهم ) الصالحات ( من الخصال ) كانت لهم ( لبناء أعمالهم على الأساس ) جنات ) أي بساتين ) الفردوس ) أي أعلى الجنة، وأصله البستان الذي هو الجنة بالحقيقة لانخفاض ما دونه عنه، وستر من يدخله بكثرة أشجاره ) نزلاً ( كما كان السعير والأغلال لأولئك أنزلاً، بعد لهم حين الدخول ) خالدين فيها ( بعد دخولهم ) لايبغون ) أي يريدون أدنى إرادة ) عنها حولاً ) أي تحولاً لأنه مزيد عليها، دفعاً لما قد يتوهم من أن الأمر كما في الدنيا من أن كل أحد في أيّ نعيم كان يشتهي ما هو أعلى منه لأن طول الإقامة قد يورث السآمة، بل هم في


الصفحة التالية
Icon