صفحة رقم ٥١٧
ترتيب سنته سبحانه في المصطفين من عباده على هذا النحو البديع، وترتيب هذه الحروف على هذا النظم الدال عليه دائر على القدرة التامة والعلم الشامل والحكمة الباهرة، رحمهم سبحانه بأن نكبهم طريق الجبارين التي أوصلتهم إلى القسوة، وجنبهم سنن المستكبرين التي تلجئ ولا بد إلأى الشقوة، فجعل نصرهم في لوامع انكسار، وكسرهم في جوامع انتصار، وحماهم من فخامة دائمة تجر إلى بذح وعلو واستكبار، ومن رقة ثابتة تحمل على ذل وسفول وصغار، فلقد انطبق الاسمان على المسمى، واتضحا غاية الاتضاح في أمره ونما، وهذا معنى ما قال الكلبي : هو ثناء أثنى الله به على نفسه. ) بسم الله ( المنزه عن كل شائبة نقص، القادر على كل ما يريد ) الرحمن ( الذي عم نواله سائر مخلوقاته ) الرحيم ( الذي اختص الصالحين من عباده، بما يسعد من مراده.
ولما كان مقصود التي قبلها الدلالة على أنم القرآن قيم لا عوج فيه، وبه تمام الانتظام في نعمة الإبقاء الأول، ودل على ذلك بأنه ساق المؤول عنه من القصص أحسن سوق، وكشف عن مخبأته القناع أبدع كشف - إلى غير ذلك مما خلله به من بدائع الحكم وغرائب المعاني فاضحة لمن ادعى الله سبحانه ولدا، وختمها بمثل ذلك وصف الكتاب والتوحيد - النافي لقبول التعدد بولد أوغيره بكل اعتبار - والعمل الصالح، ابتدأ هذه بالكشف عن أغرب من تلك القصص، تحقيقا لآية ) أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ) [ الكهف : ٩ ] بسياق غير ما تقدم فيما مضى عن السور، وجزئيات لم تذكر إلا فيها مع عدم المخالفة لما مضى، تأييدا لأن كلماته لا تنفذ، وعجائبه لا تعد ولا تحد، وأنه لو كان من عند غيره لاختلف، مع أن أهلها سادة الموحدين، وقادة المصلحين المتقين الذين عملوا الصالحاتن، ونفوا الشرك وشرعوا ذلك للناس، فرحمهم ربهم سبحانه، وكلهم ممن يعتقده اليهود الآمرون لقريش بالسؤال عن أصحاب الكهف وذي القرنين تعنتا، أمت من عدا عيسى عليه الصلاة والسلام فواضح، وأما عيسى عليه السلام فيعتقدون أنه ما اتى لأأنه سيأتي، ويكون الناس في أيامه على دين واحد تصديقا لوعد التوارة الآتي بيانه، وذلك على وجه مستلزم في أكثرها تنزهه تعالاى عن الوالد، وقدرته على البعث، وبدأها بقصة من خرق له العادة في الولد على وجه مبين أنه لا يحتاجه إلا فإن حسا أو معنى يريد أن يخلفه فيما تعسر عليه فعله أو تعذر، وكان تقديم قصته أولى لأن التبكيت به أعظم لمباشرتهم لقتله وقتل ابنه يحيى عليهما الصلاة والسلام، وإشارة إلى أن العمل الصالح المؤسس على التوحيد ضامن لإجابة الدعاء وإن كان فيه خرق العادة، وثنى بأمر من نسبوء إليه وافتروه عليه


الصفحة التالية
Icon