صفحة رقم ٥٢
وإما لأنه ندم بعد إرساله خوفاً من أن يكون التأويل شيئاً لا يواجه به الملك، فعزم على الهرب - على هذا التقدير، وإما استعجالاً ليوسف عليه الصلاة والسلام بالإفتاء ليسرع في الرجوع، فإن الناس في غاية التلفت إليه، فقال :( لعلي أرجع إلى الناس ( قبل مانع يمنعني.
ولما كان تصديقهم ليوسف عليه الصلاة والسلام وعلمهم بعد ذلك بفضله وعملهم بما أمرهم به مظنوناً، قال :( لعلهم يعلمون ) أي ليكونوا على رجاء من أن يعلموا فضلك أو ما يدل ذلك عليه من خير أو شر فيعلموا لكل حال ما يمكنهم عمله، فكأنه قيل : فما قال له ؟ فقيل :( قال ( : تأويله أنكم ) تزرعون ) أي توجدون الزراعة.
فهو إخبار بمغيب، فهو أقعد في معنى الكلام، ويمكن أن يكون خبراً بمعنى الأمر ) سبع سنين دأباً ) أي دائبين مجتهدين - والدأب : استمرار الشيء على عادته - كما أشارت إليه رؤياك بعصر الخمر الذي لا يكون إلا بعد الكفاية، ودلت عليه رؤيا الملك للبقرات السمان و السنابل الخضر، والتعبير بذلك يدل على أن هذه السبع تكون - كما تعرفون - من أغلب أحوال الزمان في توسطه بخصب أرض وجدب أخرى، وعجز الماء عن بقعة وإغراقه لأخرى - كما أشار إليه الدأب : ثم أرشدهم إلى ما يتقوون به على ما يأتي من الشر، فقال :( فما حصدتم ) أي من شيء بسبب ذلك الزرع - والحصد : قطع الزرع بعد استوائه - في تلك السبع الخصبة ) فذروه ) أي اتركوه على كل حال ) في سنبه ( لئلا يفسد بالسوس أو غيره ) إلا قليلاً مما تأكلون ( قال أبو حيان : أشار برأي نافع بحسب طعام مصر وحنطتها التي لا تبقى عامين بوجه إلا بحيلة إبقائها في السنبل - انتهى.
يوسف :( ٤٨ - ٥١ ) ثم يأتي من.....
) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَآءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ للَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ( ( )
ولما أتم المشورة، رجع إلى بقية عبارة الرؤيا، فقال :( ثم يأتي ( ولما كانت مدة الإتيان غير مستغرقة لزمان البعد، أتى بالجار فقال :( من بعد ذلك ) أي الأمرالعظيم، وهي السبع التي تعلمون فيها هذا العمل ) سبع ) أي سنون ) شداد ( بالقحط العظيم، وهن ما أشارت إليه رؤيا صاحبك الذي طار برزقه الطيور، وسار بروحه غالب المقدور،


الصفحة التالية
Icon