صفحة رقم ٥٢٠
وإظهار الخبء ) عبده ( منصوب برحمة، لأنها مصدر بني على التاء، لا أنها دالة على الوحدة ) زكريا ) أي ابن ماثان، جزاء له على توحيده وعمله الصالح الذي حمله عليه الرجاء للقاء ربه، والرحمة منه سبحانه المعونة والإجابة والإيصال إلى المراد ونحو ذلك من ثمرات الرحمة المتصف بها العباد ) إذ نادى ( ظرف الرحمة ) ربه (.
ولما قدم تشريفه بالذكر والرحمة والاختصاص بالإضافة إليه فدل ذلك على كمال القرب، قال :( نداء خفياً ) أي كما يفعل المحب القريب مع حبيبه المقبل عليه في قصد خطاب السر الجامع بين شرف المناجاة ولذاذة الانفراد بالخلوة، فأطلع سبحانه عليه لأنه يعلم السر وأخفى، فكأنه قيل : كما ذلك الندا ؟ فقيل :( قال رب ( بحذف الأداة للدلالة على غاية القرب ) إني وهن ) أي ضعف جداً ) العظم مني ) أي هذا الجنس الذي هو أقوى ما في بدني، وهو أصل بنائه، فكيف بغيره ولو جمع لأوهم أنه وهن مجموع عظامه لا جميعها ) واشتعل الرأس ) أي شعره مني ) شيباً ولم أكن ( فيما مضى قط مع صغر السن ) بدعائك ) أي بدعائي إياك ) رب شقياً ( فأجرِني في هذه المرة أيضاً على عوائد فضلك، فإن المحسن يربي أول إحسانه بآخره وإن كان ما ادعوا به في غاية البعد في العادة، لكنك فعلت مع أبي إبراهيم عليه السلام مثله، فهو دعاء شكر واستعطاف ؛ ثم عطف على ( إني وهن ) قوله :( وإني خفت الموالي ) أي فعل الأقارب أن يسيئوا الخلافة ) من وراءي ) أي في بعض الزمان الذي بعد موتي ) وكانت امرأتي عاقراً ( لا تلد أصلاً - بما دل عليه فعل الكون ) فهب لي ) أي فتسبب - عن شيخوختي وضعفي وتعويدك لي بالإجابة، وخوفي من سوء خلافة أقاربي، ويأسي عن الولد عادة بعقم امرأتي، وبلوغي من الكبر حداً لاحراك بي معه - إني أقول لك يا قادراً على كل شيء : هب لي ) من لدنك ) أي من الأمور المستبطنة المستغربة التي عندك، لم تجرها على مناهج العادات والأسباب المطردات، لا من جهة سبب أعرفه، فإن أسباب ذلك عندي معدومة.
وقد تقدم في آل عمران لذلك مزيد بيان ) ولياً ) أي من صلبي بدلالة ) ذرية ( في السورة الأخرى ) يرثني ( في جميع ما أنا فيه من العلم والنبوة والعمل ) ويرث ( زيادة على ذلك ) من ءال يعقوب ( جدنا مما خصصتهم به من المنح، وفضلتهم به من النعم، من محاسن الأخلاق ومعالي الشيم، وخص اسم يعقوب اقتداء به نفسه إذ قال ليوسف عليهما الصلاة والسلام
٧٧ ( ) ويتم نعمته عليك وعلى ءال يعقوب ( ) ٧
[ يوسف : ٦ ] ولأن إسرائيل صار علماً على الأسباط كلهم، وكانت قد غلبت عليهم الأحداث ؛ وقد استشكل القاضي العضد في ( الفوائد الغياثية ) كونَ ) يرث ( على قراءة الرفع صفة بأنه يلزم عليه عدم إجابة دعائه عليه الصلاة والسلام لأن يحيى عليه السلام


الصفحة التالية
Icon