صفحة رقم ٥٢٣
لتأكيدها، والتلذيذ بترديدها، وهل ذلك من امرأته أو غيرها ؟ وهل إذا كان منها يكونان على حالتهما من الكبر أو غيرها غير طائش ولا عجل ) رب ) أي المحسن إليّ بإجابة دعائي دائماً ) أنّى ) أي من أين وكيف وعلى أيّ حال ) يكون لي غلام ( يولد لي على غاية القوة والنشاط والكمال في الذكورة ) وكانت ) أي والحال أنه كانت ) امرأتي ( كانت شابة ) عاقراً ( غير قابلة للولد عادة وأنا وهي شابان فلم يأتنا ولد لاختلال أحد السبيبن فكيف بها وقد أسنت ) وقد بلغت ( أنا ) من الكبر عتياً ) أي أمراً في اليبس مجاوزاً للحد هو غاية في الكبر ما بعدها غاية، وقد حصل من ذلك من الضعف ويبس الأعضاء وقحلها ما يمنع في العادة من حصول الولد مطلقاً لاختلال السببين معاً فضلاً عن أن يصلح لأن يعبر عنه بغلام ؛ قال البغوي في آل عمران : وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما : كان ابن عشرين ومائة سنة، وكانت امرأته بنت ثمان وتسعين سنة ؛ وقال الرازي في اللوامع : إن هذا على الاستخبار أيعطيه الله الولد بتلك الحال أم يقلبه شاباً ؟ ولله تعالى في كل صنع تدبيران : أحدهما المعروف الذي يسلكه الناس من توجيه الأسباب إلى المسببات، والآخر يتعلق بالقدرة المحضة، ولا يعرفه إلا أهل الاستبصار - انتهى.
) قال كذلك ) أي الأمر ؛ ثم علله بقوله :( قال ربك ) أي الذي عودك بالإحسان، وذكر مقول القول فقال :( هو ) أي خلق يحيى منكما على هذه الحالة ) عليَّ ) أي خاصة ) هين ( لافرق عندي بينه وبين غيره ) وقد خلقتك ) أي قدرتك وصورتك وأوجدتك.
ولما كان القصد تشبيه حاله بالإتيان منه بولد على ضعف السبب بتقديره من النطفة على ضعف سبيتها لكونها تارة تثمر وتارة لا، وهو الأغلب، أتى بالجار إشارة إلى ذلك فقال :( من قبل ) أي قبل هذا الزمان ) ولم ) أي والحال أنك لم : ولما كان عليه السلام شديد التشوف لما يلقى عليه من المعنى في هذه البشرى، أوجز له حتى بحذف النون وليثبت أنه ليس له من ذاته إلا العدم المحض، وينفي أن يكون له من ذاته وجود ولوعلى أقل درجات الكون لاقتضاء حاله في هذا التعجب لتذكيره في ذلك فقال :( تلك شيئاً ) أي يعتد به، ثم أبرزتك على ما أنت عليه حين أردت، فتحقق بهذا أنه من امرأته هذه العاقر في حال كونهما شيخين، ثم قيل جواباً لمن كأنه قال : ما قال بعد علمه بذلك ؟ :( قال رب ) أي أيها المحسن إليّ بالتقريب ) اجعل لي ( على ذلك ) ءاية ) أي علامة تدلني على وقوعه ) قال ) أي الله :( ءايتك ( على وقوع ذلك ) ألا تلكم الناس ) أي لا تقدر على كلامهم.
ولما بدئت السور بالرحمة، وكان الليل محل تنزلها ( ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء