صفحة رقم ٥٣٢
يجعلني جباراً ( بأن أفعل الجبارين بغير استحقاق، إنما أفعل ذلك بمن يستحق وفيه إيماء إلى أن التجبر المذموم فعل أولاد الزنا، وذلك أنه يستشعر ما عنده مكن النقص فيريد أن يجبره بتجبره، ثم أخبر بما له من الله من الكرامة الدائمة مشيراً إلى أنه لا يضره عدو، وإلى أنه عبد لا يصلح أن يكون إلهاً وإلى البعث فقال :( والسلام ) أي جنسه ) عليَّ ( فلا يقدر أحد على ضرري ) يوم ولدت ( فلم يضرني الشيطان ومن يولد لا يكون إلهاً ) ويوم أموت ( كذلك أموت كامل البدن والدين، لا يقدر أحد على انتقاصهما مني كائناً من كان ) ويوم أبعث حياً ( يوم القيامة كما تقدم في يحيى عليه السلام، إشارة إلى أنه في البشرية مثله سواء لم يفارقه أصلاً إلا في كونه من غير ذكر، وإذا كان جنس السلام عليه كان اللعن على أعدائه، فهو بشارة لمن صدقة فإنه منه، ونذارة لمن كذبه، ولم يكن لنبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم مثل هذه الخارقة لئلا يلتبس حاله بالكهان، لأن قومه لا عهد لهم بالخوارق إلا عندهم، وإذا تقرر ذلك إنطاق الرضعاء كمبارك اليمامة وغيره، وإنطاق الحيوانات العجم، بل والجمادات كالحجارة وذراع الشاة المسمومة والجذع اليابس وغيرها.
مريم :( ٣٤ - ٣٧ ) ذلك عيسى ابن.....
) ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوْيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشْهِدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ( ( )
ولما كان في ذلك من أقوال عيسى وأحواله - المنادية بالحاجة للتنقل في أطوار غيره من البشر والكرامة من الله - أعظم البيان عن بعده عما ادعى فيه النصارى من الإليهية واليهود من أنه لغير رشده، نبه على ذلك مشيراً إليه بأداة البعد فقال مبتدئاً :( ذلك ) أي الولد العظيم الشأن، العلي الرتبة، الذي هذه أحواله وأقوالخ البعيدة عن صفة الإله وصفة من ارتاب في أمره ؛ ثم بين اسم الإشارة أو أخبر فقال :( عيسى ابن مريم ) أي وحدها ليس لغيرها فيه بنوة أصلاً، وهي من أولاد آدم، فهوكذلك ؛ ثم عظم هذا البيان تعظيماً آخر فقال :( قول ) أي هو - أي نسبته إلى مريم فقط - قول ) الحق ) أي الذي يطابقه الواقع، أويكون القول عيسى نفسه كما أطلق عليه في غير هذا الموضع ( كلمة ) من تسمية المسبب باسم السبب وهو على هذه القراءة خبر بعد خبر أو بدل أو خبر مبتدأ محذوف، وعلى قراءة عاصم وابن عامر بالنصب، هو اغراء، أي الزموا ذلك وهو نسبته إلى مريم عليهما السلام وحدها ثم عجب من ضلالهم فيه بقوله :( الذي فيه يمترون ) أي يشكون شكاً يتكلفونه ويجادلونه به مع أن أمره في غاية الوضوح، ليس موضعاً


الصفحة التالية
Icon