صفحة رقم ٥٣٧
الأعمى الأصم قد ينفع بكلام أو غيره، قال :( ولا يغني عنك شيئاً ( من الإغناء.
ولما نبه على أن ما يعبده لا يستحق العبادة، بل لا تجوز عبادته، لنقصه مطلقاً ثم نقصه عن عابده، ولن يكون المعبود دون العابد أصلاً، وكان أقل ما يصل إليه بذلك مقام الحيرة، نبهه على أنه أهل للهداية، فقال مكرراً لوصفه المذكور بالعطف والود :( يأبت ( وأكد علماً منه أنه ينكر أن يكون ابنه أعرف منه بشيء فقال :( إني قد جاءني ( من المعبود الحق ) مت العلم ما لم يأتك ( منه ) فاتبعني ) أي فتسبب عن ذلك أني أقول لك وجوباً على النهي عن المنكر ونصيحة لما لك علي من الحق : اجتهد في تبعي ) أهدك صراطاً سوياً ( لا عوج فيه، كما أني لو كنت معك في طريق محسوس وأخبرتك أن أمامنا مهالك لا ينجو منها أحد، وأمرتك أن تسلك مكاناً غير ذلك، لأطعتني، لو عصيتني فيه عدك كل أحد غاوياً.
ولما بين أنه لا نفع فيما بعده، ونبهه على الوصف المقتضي لوجوب الاقتداء به، بين له ما في عبادة معبوده من الضر فقال :( يا أبت لا تعبد الشيطان ( فإن الأصنام ليس لها دعوة أصلاً، والله تعالى قد حرم عبادة غيره مطلقاً على لسان كل ولي له، فتعين أن يكون الآمر بذلك الشيطان، فكان هو المعبود بعبادتها في الحقيقة ؛ ثم علل هذا النهي فقال :( إن الشيطان ( البعيد من كل خير المحترق باللعنة، وذكر الوصف الموجب للإملاء للعاصي فقال :( كان للرحمن ( المنعم بجنيع النعم القادر على سلبها، ولم يقل : للجبار - لئلا يتوهم أنه ما أملى لعاصيه مع جبروته إلا للعجز عنه ) عصياً ( بالقوة من حين خلق، وبالفعل من حين أمره بالسجود لأبيك آدم فأبى فهو عدو لله وله، والمطيع للعاصي لشيء عاص لذلك الشيء، لأن صديق العدو عدو.
فلما بين له أنه بذلك عاص للمنعم، خوفه من إزالته لنعمته فقال :( يا أبت إني أخاف ( لمحبتي لك وغيرتي عليك ) أن يمسك عذاب ) أي عذاب كائن ) من الرحمن ) أي الذي هو ولي كل من يتولاه لعصيانك إياه ) فتكون ) أي فتسبب عن ذلك أن تكون ) للشيطان ( وحده وهو عدوك المعروف العداوة ) ولياً ( فلا يكون لك نصرة أصلاً، مع ما يوصف به من السخافة باتباع العدو الدني، واجتناب الولي العلي.
فلما وصل إلى هذا الحد من البيان، كان كأنه قيل : ماذا كان جوابه ؟ فقيل :( قال ( مقابلاً لذلك الأدب العظيم والحكمة البالغة الناشئة عن لطافة العلم بغاية الفظاظة الباعث كثافة الجهل، منكراً عليه في جميع ما قال بإنكار ما بعثه عليه من تحقير آلهته :( أراغب ( قدم الخبر لشدة عنايته والتعجب من تلك الرغبة والإنكار لها، إشارة إلى أنه لا يفعلها أحد ؛ ثم صرح له بالمواجهة بالغلظة فقال :( أنت ( وقال :( عن ءالهتي (


الصفحة التالية
Icon