صفحة رقم ٥٣٩
وحقق ما عزم عليه ؛ ثم بين سبحانه وتعالى تحقيق رجائه وإجابة دعائه فقال :( فلما اعتزلهم ) أي بالهجرة إلى الأرض المقدسة ) وما يعبدون ) أي على الاستمرار ) من دون الله ( الجامع لجميع معاني العظمة التي لا ينبغي العبادة لغيره ) وهبنا ) أي على ما لنا من العظمة ) له ( كما هو الشأن في كل كن ترك شيئاً لله ) إسحاق ( ولداً له لصلبه من زوجته العاقر العقيم بعد تجاوزها سن اليأس وأخذه هو في السن إلى حد لا يولد لمثله ) ويعقوب ( ولداً لإسحاق وخصهما بالذكر للزومهما محل إقامته وقيامهما بعد موته بخلافته فيه وأما إسماعيل عليه السلام فكان الله سبحانه هو المتولي لتربيته بعد نقله رضيعاً إلى المسجد الحرام وإيحائه به تلك المشاعر العظام فأجروه بالذكر جاعلاً له أصلاً برأسه ؛ ثم صرح بما وهب لأولاده جزاء على هجرته فقال :( وكلاًّ ) أي منهما ) جعلنا نبياً ( عالي المقدار، ويخبر بالأخبار كما جعلنا إبراهيم عليه السلام نبياً ) ووهبنا لهم ( كلهم ) من رحمتنا ) أي شيئاً عظيماً جداً، بالبركة في الأموال والأولاد وإجابة الدعاء، واللطف في القضاء وغير ذلك من خيري الدنيا والآخرة ) وجعلنا لهم ( بما لنا من العظمة ) لسان صدق عليّاً ) أي ذكراً صادقاً رفيع القدر جداً يحمدون به ويثنى عليهم من جميع أهل الملل على كر الأعصار، ومر الليل والنهار، وعبر باللسان عما يوجد به، وفي ذلك ترغيب في الهجرة ثانياً بعد ما رغب فيها بقصة أهل الكهف أولاً، وأشار إليها بقوله في ) سبحان ( ) ) وقل رب أدخلني مدخل صدق ( ) [ الإسراء : ٨٠ ] الآية.
مريم :( ٥١ - ٥٥ ) واذكر في الكتاب.....
) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً ( ( )
ولما كان موسى أول من نوه الله بأسمائهم، على لسانه في التوارة، وأظهر محامدهم، وشهر مناقبهم، وتوارث ذلك أبناؤهم منه حتى شاع أمرهم وذاع، وملأ الأسماع، وطار في الأقطار، حتى عم البراري والبحار، عقب ذكرهم بذكره فقال :( واذكر في الكتاب ) أي الذي لا كتاب مثله في الكمال ) موسى ) أي الذي أنقذ الله به بني إسرائيل من العبودية والذل ختى تمكنوا من آثار آبائهم، وكان موافقاً لأبيه إبراهيم عليهم السلام في أن كلاً منهما أراد ملك زمانه الذي ادعى الربوبية قتله خوفاً على ملكه منه، فأنجاه الله منه، وأمر موسى أعجب لأنه سبحانه أنجاه من الذبح بالذباح، ثم علل ذركه له بقوله :( إنه كان ) أي كوناً عريقاً فيه ) مخلصاً ( لله تعالى في توحيده وجميع


الصفحة التالية
Icon