صفحة رقم ٥٤٢
أغرب مما أمر اليهود بالتعنت فيه، وإشارة إلى أن الله تعالى يؤتي أتباعه من علوم إدريس الأرضية والسماوية مما يستحق أن يحفظ بالخط ويودع بطون الكتب لضيق الصدور عن حفظه ما لم يؤته أمة من الأمم، وأنه يجمع شملهم، وترهيباً للمتعنتين بأنهم إن لم ينتهوا وضع فيهم السلاح كما فعل إدريس عليه السلام بكفار زمانه فقال :( واذكر في الكتاب ) أي الجامع لكل ما يحتاج إليه من القصص المتقدمين والمتأخرين ) إدريس ) أي الذي هو أبعد ممن تعنت بهم اليهود زماناً، وأخفى منهم شأناً، وهو جد أبي نوح عليه السلام واسمه حنوخ بمهملة ونون وآخره معجمة ) إنه كان صديقاً ) أي صادقاً في أقواله وأفعاله، ومصدقاً بما أتاه عن الله من آياته على ألسنة الملائكة ) نبياً ( ينبئه الله تعالى بما يوحيه إليه من الأمر العظيم، رفعة لقدره، فينبئ به الناس الذين أرسل إليهم ) ورفعناه ( جزاء منا له على تقواه وإحسانه، رفعة تليق بعظمتنا، فأحللناه ) مكاناً علياً ) أي الجنة أو السماء الرابعة، وهي التي رآه النبي ( ﷺ ) بها ليلة الإسراء ؛ قال ابن قتيبة في المعارف : وفي التوراة أن أخنوخ أحسن قدام الله فرفعه إليه - انتهى.
وفي نسخة ترجمه التوراة وهي قديمة جداً وقابلتها مع بعض فضلاء الربانيين من اليهود وعلى ترجمة سعيد الفيومي بالمعنى وكان هو القارئ ما نصه : وكانت جميع حياة حنوخ ثلاثمائة وخمساً وستين سنة، فأرضى حنوخ الله ففقد لأن الله غيبه، وفي نسخة أخرى : لأن الله قبله، وفي أخرى : لأن الله أخذه.
وهو قريب مما قال ابن قتيبة، لأن أصل الكلام عبراني، وإنما نقله إلى العربي المترجمون، فكل ترجم على قدر فهمه من ذلك اللسان، ويؤيد أن المراد الجنة ما في مجمع الزوائد للحافظ نور الدين الهيثمي عن معجمي الطبراني - الأوسط والأصغر إن لم يكن موضوعاً : حدثنا محمد بن واسط ثنا إبراهيم بن عبد الله بن خالد المصيصي ثنا حجاج بن محمد بن أبي غسان محمد بن مطرف عن زيد ابن أسلم عن عبيد الله بن أبي رافع عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله ( ﷺ ) قال :( إن إدريس عليه السلام كان صديقاً لملك الموت فسأله أن يريه الجنة والنار، فصعد بإدريس فأراه النار ففزع منها، وكاد يغشى عليه فالتف عليه ملك الموت بجناحه، فقال ملك الموت : أليس قد رأيتها ؟ قال : بلى ولم أر كاليوم قط، ثم انطلق به حتى أراه الجنة فدخلها فقال له ملك الموت : انطلق قد رأيتها، قال : إلى أين ؟ قال ملك الموت : حيث كنت، قال إدريس : لا والله لا أخرج منها بعد إذ دخلتهان فقيل لملك الموت : أليس أنت أدخلته إياها وأنه ليس لأحد دخلها أن يخرج منها.


الصفحة التالية
Icon