صفحة رقم ٥٥٧
على وقوعه بما يشاهد منهم من الأفعال المنافية لرزانة الحلم الناشئة عن وقار العلم، فقال :( ألم تر أنا ( لما لنا من العظمة ) أرسلنا الشياطين ( الذين خلقناهم من النار، إرسالاً مستعلياً بالإبعاد والإحراق ) على الكافرين ) أي العريقين في الكفر ) تؤزهم أزاً ) أي تحركهم تحريكاً شديداً، وتزعجهم في المعاصي والدنايا التي لا يشكون في قباحتها وعظيم شناعتها وهم الناس عيباً لفاعليها وذماً لمرتكبيها إرعاجاً عظيماً بحيث يكونون في تقلبهم ذلك مثل الماء الذي يغلي في القدر، ومثل الشرر المتطاير الذي هو أشد شيء عما اتصفوا به من خفة السفه وطيش الجهل فقال :( فلا تعجل عليهم ( بشيء مما تريد به الراحة منهم.
ولما كانت مراقبة ناصر الإنسان لعدوه في الحركات والسكنات أكبر شاف للولي ومفرح، وأعظم غائط للعدو ومزعج ومخيف ومقلق، علل ذلك بقوله دالاًّ على أن زمنهم قصير جداً بذكر العد :( إنما نعد لهم ( بإمهالنا لهم وإدرارنا النعم عليهم ) عداً ( لأنفاسهم فما فوقها لا نغفل عنهم بوجه، فإذا جاء أجلهم الذي ضربناه لهم، محونا آثارهم، وأخلينا منهم ديارهم، لا يمكنهم أن يفوتونا، فاصبر فما أردنا بإملائنا لهم إلا إشقاءهم وإراءهم لا تنعيمهم وإعلاءهم، فهو من قصر الموصوف على صفته إفراداً.
مريم :( ٨٥ - ٩٣ ) يوم نحشر المتقين.....
) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً لاَّ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً وَقَالُواْ اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً ( ( )
ولما بين مآل حال الكافرين في آلهتهم ودليله، أتبعه بوقته فقال :( يوم ) أي يكفرون بعبادتهم يوم ) نحشر المتقين ) أي العريقين في هذا الوصف ؛ ولما تقدمت سورة النعم العامة النحل، وأتبعت سورة النعم الخاصة بالمؤمنين وبعض العامة، مثل ) ) ولقد كرمنا بني آدم ( ) [ الإسراء : ٧٠ ]، ثم سورتي الخاصة بالصالحين الكهف وهذه، قال :( إلى الرحمن ( فيدخلهم دار الرضوان، فذكر الاسم الدال على عموم الرحمة، وكرره في هذه تكريراً دل على ما فهمته، وربما أيد ذلك افتتاح النحل بنعمة البيان على هذا الإنسان التي عبر عنها بالخصيم، وختام هذه بالقوم اللد من حيث رد


الصفحة التالية
Icon