صفحة رقم ٥٦٠
عن إرادة المركوه، وسيأتي إن شاء الله تعالى في سورة الروم ما يزيد ذلك وضوحاً ؛ روى الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ( ﷺ ) قال :( إن الله إذا أحب عبداً دعا جبرئيل فقال : يا جبرئيل إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبرئيل ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإن الله إذا أبغض عبداً دعا جبرئيل فقال : يا جبرئيل إني أبغض فلاناً فأبغضه، فيبغضه جبرئيل ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، فيبغضه أهل السماء ثم يوضع له البغضاء في الأرض.
( ولما كان إنزال هذا القول الثقيل ثم تيسيره حفظاً وعملاً سبباً لما جعل لأهل الطاعة في الدنيا من الود بما لهم من التحلي والتزين بالصالحات، والتخلي والتصون من السيئات، الدال على ما لهم عند مولاهم من عظيم العز والقرب، وكان التقدير : والذين كفروا ليكسبنهم الجبار بغضاً وذلاًّ، فأخبر كلاًّ من الفريقين لما له بشارة ونذارة، قال مسبباً عن إفصاح ذلك وإفهامه :( فإنما يسرناه ) أي هذا القرآن، الذي عجز عن معارضته الإنس والجان، والكتاب القيم والوحي الذي لا مبدل له بسبب إنزالنا إياه ) بلسانك ( هذا العربي المبين، العذب الرصين ) لتبشر به المتقين ( وهم الذين يجعلون بينهم وبين ما يسخط الله وقاية، فلا يبطلون حقاً ولا يحقون باطلاً، ومتى حصلت لهم هفوة بادروا الرجوع عنها بالمتابن بما لهم عندنا من العز الذي هو ثمرة العز المدلول عليه بما لهم منه في الدنيا، لا لتحزنهم بأن ينزل فيه ما يوهم تسويتهم بأهل المعصية في كلتا الدارين ) وتنذر به قوماً لدّاً ( أشد في الخصومة، يريدون العز بذلك، لما لهم عندنا من الذل والهوان الناشئ عن المقت المسبب عن مساوئ الأعمال، وأنا نهلكهم إن لم يرجعوا عن لددهم هو الذي يتمادى في غيه ولا يرجع لدليل، ويركب في عناد الحق ما يقدر عليه من الشر، ولا يكون هذا إلا ممن يحتقر من يخاصمه ويريد أن يجعل الحق باطلاً، تكبراً عن قبوله، فينطبق عليه ما رواه مسلم في الإيمان عن صحيحه، وأبو داود في اللباس من سننه، والترمذي في البر من جامعه، وابن ماجه في السنة من سننه ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي ( ﷺ ) قال :( لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة من كبر، فقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة، فقال : إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط - ( وفي رواية :( وغمص - الناس.
( وكلاهما بمعنى الاحتقار، ومن كان سبيله مرن على ذلك ومرد عليه،