صفحة رقم ٦٠
قيل : إن الملك كان يتكلم بسبعين لساناً فكلمه بها، فعرفها كلها، ثم دعا للملك بالعبراني، فلم يعرفه الملك فقال له : ما هذا اللسان ؟ قال : لسان آبائي، فمعظم عنده جداً، فكأنه قيلك فما قال الصديق ؟ فقيل :( قال ( ما يجب عليه من السعي في صلاح الدين والدنيا ) اجعلني ( قيماً ) على خزائن الأرض ) أي أرض مصر التي هي لكثرة خيرها كأنها الأرض ؛ ثم علله بما هو مقصود الملوك الذي لا يكادون يقفون عليه فقال :( إني حفيظ ) أي قادر عل ضبط ما إليّ أمين فيه ) عليم ) أي بالغ العلم بوجوه صلاحه واستنمائه فأخبر بما جمع الله له من أداتي الحفظ والفهم، مع ما يلزم الحفظ من القوة والأمانة، لنجاة العباد مما يستقبلهم من السوء، فيكون ذلك سبباً لردهم عن الدين الباطل إلى الدين الحق.
ولما سأل ما تقدم، قال معلماً بأنه بتسخير الله له :( وكذلك ) أي مثل ما مكنا ليوسف في قلب الملك من المودة والاعتقاد الصالح وفي قلوب جميع الناس، ومثل ما سأل من التمكين ) مكنا ) أي بما لنا من العظمة ) ليوسف في الأرض ) أي مطلقاً لا سيما أرض مصر بتولية ملكها إياه عليها ) يتبوأ ) أي يتخذذ منزلاً يرجع إليه، من باء - إذا رجع ) منها حيث يشاء ( بإنجاح جميع مقاصده، لدخولها كلها تحت سلطانه.
لتبقى أنفس أهل المملكة وما ولاها على يدهن فيجوز الأجر وجميل الذكر مع ما يزيد يه من علو الشأن وفخامة القدر، فكأنه قيل : لم كان هذا ؟ فقال : لأمرين : أحدهما أن لنا الأمر كله ) نصيب ( على وجه الاختصاص ) برحمتنا ( بما لنا من العظمة ) من نشاء ( من مستحق فيما ترون وغيره، لا نسأل عما نفعل، وقد شئنا إصابة يوسف بهذا، والثاني أنه محسن يعبد الله فانياً عن جميع الأغيار ) و ( نحن ) لا نضيع ( بوجه ) أجر المحسنين ) أي العريقين في تلك الصفة وإن كان لنا أن نفعل غير ذلك ؛ روى أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الحكم في أول فتوح مصر من طريق الكلبي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : فأتاه الرسول فقال : ألق عنك ثياب السجن، والبس ثياباً جدداً، وهو يومئذ ابن ثلاثين سنة، فلما أتاه رأى غلاماً حدثاً فقال : أيعلم هذا رؤياي ولا يعلمها السحرة والكهنة وأقعده قدامه ثم قال : قال عثمان - يعني ابن صالح - وغيره في حديثهما : فلما استنطقه وسايله عظُم في عينه، وجل أمره في قلبه، فدفع إليه خاتمة وولاه ما خلف بابه - ورجع إلى ابن عباس قال : وضرب بالطبل بمصر أن يوسف خليفة الملك ؛ وعن عكرمة أن فرعون قال ليوسف : قد سلطتك على مصر غير أني أريد أن أجعل كرسيّ أطول من كرسيك بأربع أصابع قال يوسف : نعم.


الصفحة التالية
Icon