صفحة رقم ٦٦
يباشر الأمور بنفسه كما هو فعل الكفاة الحزمة، لا يثق فيه بغيره ) فعرفهم ( لأنه كان مرتقباً لحضورهم لعلمه بجدب بلادهم وعقد همته بهم.
مع كونه يعرف هيئاتهم في لباسهم وغيره، ولم يتغير عليه كبير من حالهم.
لمفارقته إياهم رجالاً ) وهم له منكرون ( ثابت إنكارهم عريق فيهم وصفهم به، لعدم خطورة ببالهم لطول العهد، مع ما تغير عليهم من هيئته بالسن وانضاف إليه من الحشم والخدم واللباس وهيئة البلد وهيبة الملك وعز السلطان، وغير ذلك مما ينكر معه المعروف، ويستوحش لأجله من المألوف، وفق ما قال تعالى
٧٧ ( ) لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون ( ) ٧
[ يوسف : ١٥ ] والدخول : الانتقال إلى محيط، والمعرفة : تبين الشيء بالقلب بما لو شوهد لفرق بينه وبين غيره مما ليس على خاص صفته.
ولما كان المعنى في قوة أن يقال : فطلبوا منه الميرة فباعهم بعد أن استخبرهم عن أمرهم، وقال لهم : لعلكم جواسيس ؟ وسألهم عن جميع حالهم.
فأخبروه بأبيهم وأخيهم منه، ليعلم صلاحهم ولا يظن أنهم جواسيس، عطف عليه قوله :( ولما جهزهم ) أي يوسف عليه الصلاة والسلام ) بجهازهم ( الذي جاؤوا له وقد أحسن إليهم ؛ والجهاز : فاخر المتاع الذي يحمل من بلد إلى بلد ) قال ) أي لهم ) ائتوني ( أيها العصابة ) بأخ لكم ( كائن ) من أبيكم ( يأتي برسالة من أبيكم الرجل الصالح حتى أصدقكم، أو أنهم طلبوا منه لأخيهم حملاً، فأظهر أنه لم يصدقهم، وطلب إحضاره ليعطيه، فإنه كان يوزع الطعام على قدر الكفاية ؛ ثم رغبهم بإطماعهم في مثل ما فعل بهم من الإحسان، وكانقد أحسن نزلهم، فقال مقرراً لهم بما رأوا منه :( ألا ترون ) أي تعلمون علماً هو كالرؤية ) أني أوفي الكيل ) أي أتمه دائماً على ما يوجبه الحق ) وأنا خير المنزلين ( أضع الشيء في أولى منازله.
ولما رغبهم، رهبهم فقال :( فإن لم تأتوني به ) أي بأخيكم أول قدمة تقدمونها ) فلا كيل لكم ( وعرفهم أنه لا يمنعهم من غيره فقال :( عندي ولا تقربون ( ومع ذلك فلم يخطر ببالهم أنه يوسف، فكأنه قيل : فما قالوا ؟ فقيل :( قالوا سنراود ) أي بوعد لا خلف فيه حين نصل ) عن أباه ) أي نكلمه فيه وننازعه الكلام ونحتال عليه فيه، ونتلطف في ذلك، ولا ندع جهداً ؛ ثم أكدوا ذلك - بعد الجملة الفعلية المصدرة بالسين - بالجملة الاسمية المؤكدة بحرفي التأكيد، فقالوا :( وإنا لفاعلون ) أي ما أمرتنا به والتزامناه، وقد مضى عند ) وراودته ( أن المادة - يائية وواوية بهمز وبغير همز - تدور على الدوران، ومن لوازمه القصد والإقبال والإدبار والرفق والمهلة، وقد مضى بيان غير مهموز، وأما المهموز فمنه درأه، أي دفعه - لأن المدفوع