صفحة رقم ١٠٠
جميعهم الصلاة والسلام - إلى أنه ربما يفضل البن الأب في أمر، فربما قدم لأجله وإن كان لا يلزم منه تقديمه مطلقاً، مع ما فيها من أمر الحرث الذي هو أنسب شيء لما بعد غيض الماء في قصة نوح عليه السلام، هذا في أوله وأما في آخره فما يتنبه مثال للدنيا في بهجتها وغرورها، وانقراضها ومرورها، ومن تصريف داود عليه السلام في الجبال وهي أشد التراب الذي هو اقوى من الماء، وفي الحديد وهو أقوى من تراب الجبال، وسليمان عليه السلام في الريح وهي أقوى من التراب فقال :( وداود ) أي أول من ملك ابنه من أنبياء بني إسرائيل ) وسليمان ( ابنه، أي اذكرهما واذكر شأنهما ) إذ ) أي حين ) يحكمان في الحرث ( الذي أنبت الزرع، وهو من إطلاق اسم السبب على المسبب كالسماء على المطر والنبت، قيل : كان ذلك كرماً، وقيل : زعاً ) إذ نفشت ) أي انتشرت ليلاً بغير راع ) فيه غنم القوم ( الذي لهم قوة على حفظها فرعته ؛ قال قتادة : النفش بالليل، والهمل بالنهار.
) وكنا ) أي بعظمتنا التي لا تقر على خلاف الأولى في شرع من الشروع ) لحكمهم ) أي الحكمين والمتحاكمين إليهما ) شاهدين ( لم يغب عنا ذلك ولا شيء من أمرهم هذا ولا غيره، فذلك غيرنا على داود عليه السلام تلك الحكومة مع كونه ولينا وهو مأجور في اجتهاده لأن الأولى خلافها، فإنه حكم بأن يمتلك صاحب الحرث الغنم لصاحب الكرم ليرتفق بلبنها ونسلها وصوفها ومنافعها، ويعمل صاحبها في الكرم حتى يعود كما كان فيأخذ حرثه، وترد الغنم إلى صاحبها، وهذا أرفق بهما.
ذا أدل دليل على ما تقدمت الإشارة إليه عند ) قل ربي يعلم القول (، و ) كنا به عالمين إذ قال لأبيه ( وفيه رد عليهم في غيظهم من النبي ( ﷺ ) في تسفيه الآباء والرد عليهم كما في قصة إبراهيم عليه السلام لأنه ليس بمستنكر أن يفصل الابن أباه ولو في شيء، والآية تدل على أن الحكم ينقض بالاجتهاد إذا ظهر ما هو أقوى منه.
ولما كان ذلك ربما أوهم شيءاً في أمر داود عليه السلام، نفاه بقوله دالاً على أنهما على الصواب في الاجتهاد وإن كان المصيب في الحكم هو أحدهما ) وكلاً ) أي منهما ) ءاتينا ( بما لنا من العظمة ) حكماً ) أي نبوة وعملاً مؤسساً على حكمة العلم، وهذا معنى ما قالوه في قول النبي ( ﷺ ) : إن من الشعر حكماً - أي قولاً صادقاً مطابقاً للحق ) وعلماً ( مؤيداً بصالح العمل، وعن الحسن رحمه الله : لولا هذه الآية لرأيت القضاة قد هلكوا، ولكنه أثنى على سليمان عليه السلام بصوابه، وعذر داود عليه


الصفحة التالية
Icon