صفحة رقم ١٠٤
أو حفظ أو ابتداء، وبدأهم بمن أعاد له ما كان أعدمه من أهل ومال، وسخر له عنصر الماء في إعادة لحمه وجلده، لأن الإعادة هي المقصودة بالذات في هذه السورة فقال :( وأيوب ) أي واذكر أيوب، قالوا : وهو ابن أموص بن روم بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وكان صاحب البثنية من بلاد الشام، وكان الله قد بسط عليه الدنيا فشكره سبحانه ثم ابتاله فصبر ) إذ نادى ربه ( اي المحسن إليه في عافيته وضره بما آتاه من صبره ) إني مسني الضر ( بتسليطك الشيطان عليّ في بدني وأهلي ومالي وقد طمع الآن في ديني، وذلك أنه زين لامرأة أيوب عليه السلام أن تأمره ان يذبح الصنم فإنه يبرأ ثم يتوب، ففطن لذلك وحلف : ليضربها إن برأ، وجزع من ذلك، والشكوى غلى الله تعالى ليست من الجزع فلا تنافي الصبر، وقال سفيان بن عيينة : ولا من شكا إلى الناس وهو في شكواه راض بقضاء الله تعالى.
) وأنت ) أي والحال أنك أنت ) أرحم الراحمين ( فافعل بي ما يفعل الرحمن بالمضرور، وهذا تعريض بسؤال الرحمة حيث ذكر نفسه بما يوجب الرحمة، وربّه بأبلغ صفاتها ولم يصرح، فكان ذلك ألطف في السؤال، فهو أجدر بالنوال ) فاستجبنا له ( اي أوجدنا إجابته إيجاد من كأنه طالب لها بسبب ندائه، هذا بعظمتنا في قدرتنا على الأمور الهائلة، وسبب عن ذلك قوله :( فكشفنا ) أي بما لنا من ا لعظمة ) ما به من ضر ( بأن أمرناه أن يركض برجله، فتنبع له عين من ماء، فيغتسل فيها، فينبت لحمه وجلده أحسن ما كان وأصحه ودل على تعاظم هذا الأمر بقوله :( وءاتيناه أهله ) أي أولاده وما تبعه من حشمة، أحييناهم له بعد أن كانوا ماتوا ) ومثلهم ) أي وأوجدنا له مثلهم في الدنيا، فإن قوله :( معهم ( يدل على أنهم وجدوا عند وجدان الأهل، حال كون ذلك الكشف الإيتاء ) رحمة ) أي نعمة عظيمة تدل على شرفه بما شأنه العطف والتحنن، وهو من تسمية المسبب باسم السبب، وفخمها بقوله :( من عندنا ( بحيث لا يشك من ينظر ذلك أنا ما فعلناه إلا رحمة منا له وأن غيرنا لم يكن يقدر على ذلك ) وذكرى ) أي عظة عظيمة ) للعابدين ( كلهم، ليتأسوا به فيصبروا إذا ابتلوا بفتنة الضراء ولا يظنوما أنها لهوانهم، ويشكروا إذا ابتلوا بنعمة السراء لئلا تكون عين شقائهم، واتبعه سبحانه بمن أنبع له من زمزم ماءً باقياً شريفاً، إشارة إلى شرفه وشرف ولده خاتم الرسل ببقاء رسالته ومعجزته فقال :( إسماعيل ) أي ابن إبراهيم عليه السلام الذي سخرنا له من الماء بواسطة الروح الأمين ما عاش به صغيراً بعد أن كان هالكاً لا محالة، ثم جعناه طعام طعم وشفاء سقم دائماً، وصناه - وهو كبير - من الذبح فذبحه أبوه واجتهد في إتلافه إمتثالاً لأمرنا فلم ينذبح كما اقتضته إرادتنا ) وإدريس ) أي ابن شيث بن آدم عليهم السلام الذي احييناه


الصفحة التالية
Icon