صفحة رقم ١٠٦
يقدر على الإنجاء من مثل ما أنا فيه غيرك ؛ ثم أفصح بطلب الخلاص بقوله ناسباً إلى نفسه من النقص ما نزه الله عن مثله :( إني كنت ) أي كوناً كبيراً ) من الظالمين ) أي في خروجي من بين قومي فبل الإذن، فاعف عني كما هي شيمة القادرين، ولذلك قال تعالى مسبباً عن دعائه :( فاستجبنا له ) أي أوجدنا الإجابة إيجاد من هو طالب لها تصديقاً لظنه أن لن نعاقبه ( أنا عند ظن عبدي بي ) والآية تفهم أن شرط الكون مع من يظن الخير دوام الذكر وصدق الإلتجاء، وقال الرازي في اللوامع : وشرط كل من يلتجىء إلى الله أن يبتدىء بالتوحيد ثم بالتسبيح والثناء ثم بالعتراف والاستغفار والاعتذار، وهذا شرط كل دعاء - انتهى.
ولما كان التقدير : فخلصناه مما كان فيه، عطف عليه قوله، تنبيهاً على أنهما نعمتان لأن أمره مع صعوبته كان في غاية الغرابة :( ونجيناه ) أي بالعظمة الباغة تنجية عظيمة، وأنجيناه إنجاء عظيماً ) من الغم ( الذي كان ألجأه إلى المغاضبة ومن غيره، قال الرازي : وأصل الغم الغطاء على القلب - انتهى.
فألقاه الحوت على الساحل وأظله الله بشجرة القرع.
ولما كان هذا وما تقدمه أموراً غريبة، أشار إلى القدرة على أمثالها من جميع الممكنات، وأن ما فعله من إكرام أنبيائه عام لأتباعهم بقوله :( وكذلك ) أي ومثل ذلك الإنجاء العظيم الشأن والتنجية ) ننجي ( اي بمثل ذلك العظمة ) المؤمنين ( إنجاء عظيماً وننجيهم تنجية عظيمة، ذكر التنجية أولاً يدل على مثلها ثانياً، وذكر الإنجاء ثانياً يدل على مثله أولاً وسر ذلك الإشارة إلى شدة العناية بالمؤمنين لأنهم ليس لهم كصبر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام - بما أشار إليه بحديث ( أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ) ( يبتلى المرء على قدر دينه ) فيسلهم سبحانه من البلاء كما تسل الشعرة من العجين، فيكون ذلك مع السرعة في لطافة وهناء - بما أشارت إليه قراءة ابن عامر وأبي بكر عن عاصم رضي الله عنه بتشديد الجيم لإدغام النون الثانية فيه، أو يمون المعنى أن من دعا منهم بهذا الدعاء أسرع نجاته، فإن المؤمن متى حصلت له هفوة راجع ربه فنادى معترفاً بذنبه هذا النداء، ولاسيما إن مسه بسوط الأدب، فبادر إليه الهرب.
الأنبياء :( ٨٩ - ٩١ ) وزكريا إذ نادى.....
) وَزَكَرِيَّآ إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ


الصفحة التالية
Icon