صفحة رقم ١٢٧
التقدير : لكنه محقق الوجود، لأن الله واحد لا شريك له، وقريب عند الله، لأن كل ما حقق إيجاده قريب، علله بقوله :( إنه ) أي الله تعالى ) يعلم الجهر ( لما كان الجهر قد يكون في الأفعال، بينه بقوله :( من القول ( مما تجاهرونه به من العظائم وغير ذلك، ونبه الله تعالى على ذلك لأن من أحوال الجهر أن ترتفع الأصوات جداً بحيث تختلط ولا يميز بينها ولا يعرف كثير من حاضريها ما قاله أكثر القائلين، فأعلم سبحانه أنه لا يشغله صوت عن آخر ولا يفوته شيء عن ذلك ولو كثر ) ويعلم ما تكتمون ( مما تضمرونه من المخازي كما قال تعالى أولها ) قل ربي يعلم القول في السماء والأرض ( ومن لازم ذلك المجازاة عليه بما يحق لكم من تعجيل وتأجيل، فستعلمون كيف يخيب ظنونكم ويحقق ما أقول، فتقطعون بأني صادق عليه ولست بساحر، ولا حالم ولا كاذب ولا شاعر، فهو من أبلغ التهديد فإنه لا أعظم من التهديد بالعلم.
ولما كان الإمهال قد يكون نعمة، وقد يكون نقمة، قال :( وإن ( وما ) أدري ) أي ايكون تأخير عذابكم نعمة لكم كما تظنون أو لا.
ولما كان إلى كونه نقمة أقرب، قال معبراً عما قدرته :( لعله ) أي تأخير العذاب وإيهام الوقت ) فتنة لكم ) أي اختبار من الله ليظهر ما يعلمه منكم من الشر لغيره، لأن حالكم حال من يتوقع منه ذلك ) ومتاع ( لكم تتمتعون به ) إلى حين ) أي بلوغ مدة آجالكم التي ضربها لكم في الأزل، ثم يأخذكم بغتة أخة يستأصلكم بها.
ولما كان اللازم من هذه الآيات تجويز أمور تهم سامعها وتقلقه للعلم بأن الله تعالى له أن يفعل ما يشاء من عدل وفضل، وكان من العدل جواز تعذيب الطائع وتنعيم العاصي، كان كأنه قيل : فما قال الرسول الشفوق على الأمة حين سمع هذا الخطاب ؟ فقيل : قال مبتهلاً غلى الله تعالى - هذا على قراءة حفص.
وعلى قراءة حفص، وعلى قراءة الجمهور : لما علم سبحانه أن ذلك مقلق، أمره ( ﷺ ) بما يرجى من يقلق من أتباعه فقال :( قل رب ) أي ايها المحسن إلي في نفسي واتباعي بامتثال أوامرك واجتناب نواهيك ) احكم ) أي أنجز الحكم بيني وبين هؤلاء المخالفين ) بالحق ) أي بالأمر الذي يحق لكل منا من نصر وخذلان على ما أجريته من سنتك القديمة في أوليائك وأعدائك
٧٧ ( ) ما ننزل الملائكة إلا بالحق ( ) ٧
[ الحجر : ٨ ] أي الأمر الفصل الناجز، قال ابن كثير : وعن مالك عن زيد بن أسلم : كان رسول الله ( ﷺ ) إذا شهد قتالاً قال ) رب احكم بالحق (.
وفي الآية أعظم حث على لزوم الإنسان بالحق ليتأهل لهذه الدعوة.


الصفحة التالية
Icon