صفحة رقم ١٣٣
الناس ) أي كافة، ويجوز أن يراد المنكر فقط، وعبر بالناس الذي هو من أسفل الأوصاف لذلك، وإشارة إلى أن المنكر والعامل عمله - وإن كان مصدقاً - هم أكثر الناس، وعبر بأداة الشك إشارة إلى أن الذي يقتضيه الحال جزمهم به فقال :( إن ( وبين أنه ما عبر به إلا للتوبيخ، لا للشك في أمرهم، بجعل الشرط ماضياً، ودل ب ( كان ) وبالظرف على ما تمكن الريب منهم فقال :( كنتم في ريب ) أي شك وتهمة وحاجة إلى البيان ) من البعث ( وهو قيام الأجسام بأرواحها كما كانت قبل مماتتها سواء، استعظاماً لأن نقدر عليه ) فإنا خلقناكم ( بقدرتنا التي لا يتعاظمها شيء ) من تراب ( لم يسبق له اتصاف بالحياة ) ثم من نطفة ( حالها ابعد شيء عن حال التراب، فإنها بيضاء سائلة لزجة صافية كما قال
٧٧ ( ) من ماء دافق ( ) ٧
واصلها الماء القليل - قاله البغوي.
وأصل النطف الصب - قاله البيضاوي.
) ثم من علقة ) أي قطعة دم حمراء جامدة، ليس فيها أهلية للسيلان ) ثم من مضغة ) أي قطعة لحم صغيرة جداً تطورت إليها النطفة ) مخلقة ( بخلقة الآدمي التمام ) وغير مخلقة ) أي أنشأناكم من تراب يكون هذا شأنه، وهو أنا ننقله في هذه الأطوار إلى أن يصير مضغة، فتارة يخلقها ويمون منها آدمياً، وتارة لا يخلقها بل يخرجها من الرحم فاسدة، أو تحرقها حرارته، أو غير مخلقة تخليقاً تاماً بل ناقصاً مع وجود الروح كشق الذي كان شق آدمي، وسطيح الذي كان علواً بلا سفل ونحوهما ) لنبين لكم ( كمال قدرتنا، وتمام حكمتنا، وأن ذلك ليس كائناً عن الطبيعة، لأنه لو كان عنها لم يختلف، فدل اختلافه على أنه عن فاعل مختار، قادر قهار، وحذف المفعول إشارة إلى أنه يدخل فيه كل مل يمكن أن يحيط به العقول.
ولما : ان التقدير : فنجهض منه مل لا نشاء إتمامه، عطف عليه قوله :( ونقر في الأرحام ) أي من ذلك الذي خلقناه ) ما نشاء ( إتمامه ) إلى أجل مسمى ( قدرناه لإتمامه ما بين ستة أشهر إلى ما نريد من الزيادة على ذلك، بحسب قوة الأرحام وضعفها، وقوة المخلقات وضعفها وكثرة ما تغتذيه من الدماء وقلته، وزكائه وخبثه، إلى غير ذلك من أحوال وشؤون لا يعلمها إلا بارئها، جلت قدرته، وتعالت عظمته، وأما ما لم نشأ إتمامه فإن الأرحام تمجه بقدرتنا وتلقيه دون التمام أو تحرقه فيضمحل ) ثم نخرجكم ( بعد ذلك ) طفلاً ) أي في حال الطفولة من صغر الجثة وضعف البدن والسمع والبصر وجميع الحواس، لئلا تهلكوا أمهاتكم بكبر أجرامكم، وعظم أجسامكم، وهو يقع على جميع، وعبر به دونه للتساوي في ضعف الظاهر والباطن.
ولما ذكر أضعف الضعف ذكر أقوى القوة عاطفاً له عليه لما بينهما من المهلة بأداة التراخي فقال :( ثم ) أي نمد أجلكم ) لتبلغوا ( بالانتقال في أسنان الأجسام فيما بين


الصفحة التالية
Icon