صفحة رقم ١٤٧
المعلوم أن نبوتته له لأجل العبادة، فكان المعنى : قلنا له : أنزل أهلك هاهنا وتردد إلى هذا المكان للعبادة، فذلك فسره بقوله :( أن لا تشرك بي شيئاً ( فابتدأ بأسّ العبادة ورأسها، وعطف على النهي قولهك ) وطهر بيتي ( عن كل مل لا يليق به من قذر حسي وعنوي من شرك ووثن وطواف عريان به، كما كانت العرب تفعل ) للطائفين ( به.
ولما تقدم العكوف فاستغنى عن إعادته، قال :( والقائمين ) أي حوله تعظيماً لي كما يفعل حل عرشي، أو في الصلاة، ولأن العكوف بالقيام أقرب إلى مقصود السورة.
) والركع ( ولما كان كل من الطواف والقيام عبادة برأسه، ولم يكن الركوع والسجود كذلك، عطف ذاك، واتبع هذا لما بينهما من كمال الاتصال، إذ لا ينفك أحدهما عن الآخر في الصلاة فقال :( السجود ) أي المصلين صلاة أهل الإسلام الأكمل ) وأذن في الناس ( اي أعلمهم وناد فيهم ) بالحج ( وهو قصد البيت على سبيل التكرار لعبادة المخصوصة بالمشاعر المنصوصة ) يأتوك ) أي يأتوا بيتك الذي بنيته لذلك، مجيبين لصوتك بإذننا سامعين طائعين مخبتين خاشعين من أقطار الأرض كما يجيبون صوت الداعي من قبلنا إذا دعاهم بمثل ذلك بعذ الموت ) رجالاً ) أي مشاة على أرجلهم ) وعلى كل ضامر ( اي هزيل من طول السير من الإبل لبعد الشقة وعظم المشقة.
ولما كان الضامر يطلق على كل من الذكر والأنثى من الجمال، وكانت النثى أضعف النوعين، فكان الحكم عليها بالإتيان المذكور حكماً على الذكر الذي هو أشد بطريق الأولى، أسند إلى ضميرها فقال معبراً بما يدل على التجدد والاستمرار، واصفاً الضوامر التي أفهمتها ( كل ) ) يأتين ) أي الضوامر ) من كل فج ) أي طريق واسع بين جبلين ) عميق ( اي بعيد منخفض بالنسبة غلى علو جباله.
قال أبو حيان : أصله البعد سفلاً - انتهى.
حفاة عراة، ينتقلون من مشعر من مشاعر الحج إلى معشر، ومن مشهد إلى مشهد، مجموعين بالدعوة، خاشعين للهيبة، خائفين من السطوة، راجين للمغفرة، ثم يتفرقون إلى مواطنهم، ويتوجهون إلى مساكنهمن كالسائرين إلى مواقف الحشر، يوم البعث والنشر، المتفرقين إلى إلى داري النعيم والجحيم، قيا أيها المصدقون بأن خليلنا إبراهيم عليه السلام نادى بالحج فأجابه بقدرتنا كرامة له من أراد الله حجة على بعد أقطارهم، وتنائي ديارهم، ممن كان موجوداً في ذلك الزمان، وممن كان في ظهور الآباء الأقربين أو الأبعدين صدقوا أن الداعي من قبلنا بالنفخ في الصور يجيبه كل من كان على ظهرها ممن حفظناه له جسده، أو سلطنا عليه الأرض فمزقناه حتى صار تراباً، وما بين ذلك، لأن الكل علينا يسير.


الصفحة التالية
Icon