صفحة رقم ١٥٠
) الرجس ) أي القذر الذي من حقه أن يجتنب من غير أمر ؛ ثم بينه وميزه بقوله :( من الأوثان ) أي القذر الذي من حقه أن يحتنب من غير أمر، فإنه إذا اجتنب السبب اجتنب المسبب.
ولما كان ذلك كله من الزور، أتبعه النهي عن جميع الزور، وزاد في تبشيعه وتغليظه إذ عدله - كما قال النبي ( ﷺ ) بالشرك فقال :( واجتنبوا ) أي بكل اعتبار ) قول الزور ) أي جميعه، وهو الانحراف عن الدليل كالشركالمؤدي غلى لزوم عجز الإله وتحريم ما لم ينزل الله به سلطاناً من السائبة وما معها، وتحليل الميتة ونحوها مما قام الدليل السمعي على تحريمه كما أن الحنف الميل مع الدليل، ولذلك أتبعه قوله :( حنفاء لله ( أذي له الكمال كله، فلا ميل في شيء من فعله، وإنما كانا كذلك مع اجتماعهما في مطلق الميل، لأن الزور تدور مادته على القوة والوعورة، والحنف - كما مضى في البقرة - على الرقة والسهوله، فكان ذو الزور معرضاً عن الدليل بما فيه من الكثافة والحنيف مقبالً على الدليل بما له من الاطافة.
ولما أفهم ذلك التوحيد، أكده بقوله :( غير مشركين به ) أي شيئاً من إشراك، بل مخلصين له الدين، ودل على عظمة التوحيد وعلوه، وفظاعة الشرك وسفوله، بقوله زاجراً عنه عاطفاً على ما تقديره : فمن امتثل ذلك أعلاه اعتدله إلى الرفيق الأعلى :( ومن يشرك ) أي يوقع شيئاً من الشرك ) بالله ) أي الذي له العظمة كلها، لشيء من الأشياء في وقت من الأوقات ) فكأنما خرّ من السماء ( لعلو ما كان فيه من أوج التوحيد وسفول ما نحط إليه من حضيض الإشراك.
ولما كان الساقط من هذا العلو متقطعاً لا محالة إما بسباع الطير أو بالوقوع على جلد، عبر عن ذلك بقوله :( فتخطفه الطير ) أي قطعاً بينها، وهو نازل في الهواء قبل أن يصل إلى الأرض ) أو تهوي به الريح ) أي حيث لم يجد في الهواء ما يهلكه ) في مكان ( من الأرض ) سحيق ) أي بعيد في السفول، فيتقطع حال وصوله إلى الأرض بقوة السقطة وشدة الضغطة لبعد المحل الذي خر منه وزل عنه، فالآية من الاحتباك : خطف الطير الملزوم للتقطع أولاً دال على حذف التقطع ثانياً، والمكان السحيق الملزوم لبلوغ الأرض ثانياً دليل على حذف ضده أولاً ؛ ثم عظم ما تقدم من التوحيد وما هو مسبب عنه بالإشارة بأداة البعد فقال :
الحج :( ٣٢ - ٣٥ ) ذلك ومن يعظم.....
) ذلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى


الصفحة التالية
Icon