صفحة رقم ١٥٥
أي لتتأملوا ذلك فتعرفوا أنه ما قادها لكم إلا الله فيكون حالكم حال من يرجى شكره، فتوقعوا الشكر بأن لا تحرموا منها إلا ما حرمن ولا تحلوا إلا ما أحل، وتشهدوا منها ما حث على إهدائه، وتتصرفوا فيها بحسب ما أمركم.
ولما حث على التقرب بها مذكوراً اسمه عليها، وكان من مكارم الأخلاق، وكان أكثرهم يفعله، وكانوا ينضحون البيت ونحوه بدماء قرابينهم، ويشرحون اللحم، ويضعونه حوله، زاعمين أن ذلك قربة، وقد كان بعض ذلك شرعاً قديماً، نبه سبحانه على نسخ ذلك بأن نبه على أن المقصود منه روحه لا صورته فقال :( لن ينال ) أي يصيب ويبلغ ويدرك.
ولما كان السياق للحث على التقريب له سبحانه، كان تقديم اسمه على الفاعل أنسب للإسراع بنفي ما قد يتوهم من لحاق نفع أو ضر، فقال معبراً بالاسم العلم الذي حمى عن الشركة بكل اعتبار :( الله ) أي رضا الملك الذي له صفات الكمال فلا يلحفه نفع ولا ضر ) لحومها ( المأكوله ) ولا دماؤها ( المهراقة ) ولكن يناله التقوى ) أي عمل القلب وهي الصفة المقصود بها أن تقي صاحبها سخط الله، وهي التي استولت على قلبه حتى حملته على امتثال اموامر التي هي نهايات لذلك، الكائنة ) منكم ( الحاملة على التقرب التي تكون بها يمون له روح القبول، المحصلة للمأمول ؛ قال الرازي في اللوامع : وهذا دليل على أن النية الخالصة خير من الأعمال الموظفة - انتهى.
فإذا نالته سبحانه النية قبلب العمل فتلقى اللقمة ( فرباها كما يربي أحدكم فله حتى تكون مثل جبل ) ( ووقع الدم منه بمكان ) فالنفي لصورة لا روح لها والإثبات لذات الروح، فقد تفيد النية من غير عمل كما قال ( ﷺ ) في غزوة تبوك ما معناه ( إن بالمدينة رجالاً ما نزلنا منزلاً ولا قطعنا وادياً غلا كانوا فيه حسبهم العذر ) ولا يفيد العمل بغير نية، والنية هي التي تفيد الجزاء سرمداً والله الموفق ؛ ثم كرر التنبيه على عظيم تسخيرها منبهاً على ما أوجب عليهم به فقال :( كذلك ) أي التسخير العظيم ) سخرها ) أي الله الجامع لصفات الكمال ) لكم ( بعظمتته وغناه عنكم ) لتكبروا (.
ولما ذكر التكبير، صورة بالاسم الأعظم فقال :( الله ( وضمن التكبير فعل الشكر، فكان التقدير : شاكرين له ) على ما هداكم ) أي على هدايتكم له والأمور العظيمة التي هداكم إليها.
ولما كان الدين لا يقوم إلا بالنذارة والبشارة، وكان السياق لأجل ما تقدم من شعائر الحج،


الصفحة التالية
Icon