صفحة رقم ١٥٧
ولما كان كأنه قد قيل : كيف تكون المدافعة وبمن ؟ فقيل : بعباده المؤمنين، عبر عن ذلك بقوله :( أذن ( وأشار بقراءة من بنها للمجهول إلى سهولة ذلك عليه سبخانه ) للذين يقاتلون ) أي للذين فيهم قوة المدافعة، في المدافعة بالقتلا بعد أن كانوا يمنعون منه بمكة ويؤمرون بالصفح ؛ ثم ذكر سبب الإذن فقال ) بأنهم ظلموا ) أي وقع ظلم الظالمين لهم بالإخراج من الديار، والأذى بغير حق.
ولما كان التقدير : فأن الله أراد إظهار دينه بهم، عطف عليه قوله :( وإن الله ) أي الذي هو الملك الأعلى، وكل شيء في قبضته، ويجوز عطفه على قوله ) إن الله يدفع ) أي بإذنه لهم في القتال وأنه ) على نصرهم ( وأبلغ في التأكيد لا ستبعاد النصرة إذ ذاك بالكفار من الكثرة والقوة، وللمؤمنين من الضعف والقلة، فقال :( لقدير ( ثم وصفهم بما يبين مظلوميتهم على وجه يجمعهم ويوثقهم بالله فقال :( الذين أخرجوا من ديارهم ( إلى الشعب والحبشة والمدينة ) بغير حق ( أوجب ذلك ) إلا أن يقولوا ) أي غير قولهم، أو ألا قولهمك ) ربنا الله ( المحيط بصفات الكمال، الموجب لإقرارهم في ديارهم، وحبهم ومدحهم واقتفاء آثارهم، فهو من باب :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
وفي سوق ذلك المساق الاستثناء عند من يجعله منقطعاً إشارة إلى أن من أخلص لله، صوب الناس إليه سهام مكرهم، ولم يدعوا في أذاه شيئاً من جهدهم.
ولما ذكر مجافعتهن وذكر أنها بالمؤمنين، بين سرها عموماً ليفهم منها هذا الخاص، وصورها تقريباً لفهمهان فقال عاطفاً على ما تديرهك فلولا إذن الله لهم لا ستمر الشرك ظاهراً، والباطل - باستيلاء الجهلة على مواطن الحج - قاهراً ك ) ولولا دفع الله ) أي المحيط بكل شيء علماً وقدرة في كل شريعة، وفي زمن كل ني أرسله ) الناس ) أي عموماً ) بعضهم ببعض ) أي بتسليط بعضهم على بعض ) لهدمت صوامع ( وهي معابد صغار مرتفعة للرهبان ) وبيع ( للنصارى ) وصلوات ( اي كنائس اليهود ) ومساجد ) أي للمسلمين، أخرها لتكون بعيدة من الهدم قريبة من الذكر ) يذكر فيها اسم الله ) أي الملك الذي لا ملك غيرهن ولعل العدول عن الإضمار إلى الإظهار للإشارة إلى اختلاف ذكره تعالى في الأماكن المذكورة بالإخلاص وغيره ) كثيراً ( لأن كل فرقة تريد هدم ما للأخرى، بل ربما أراد بعض أهل ملة إخراب بعض معلبد أهل ملته، لا فبدفعه الله بمن يريد من عباده، وإذا تأملت ذلك وجدت فيه من الأسرار، ما يدق عن الأفكار، فإنه تعالى لما أراد بأكثر الناس الفساد، نصب لهم من الأضداد، ما يخفف كثيراً من العناد.
ولما كان لتقدير : ولكن لم تهدم المذكورات، لأن الله دفع بعضهم ببعض،


الصفحة التالية
Icon