صفحة رقم ١٥٩
الجاهل على غير مدكور في سياق يسلي به نبيه ( ﷺ ) ويعزيه، ويؤنسه ويواسيه، فقال ) وإن يكذبوك ( اي أخذتهم وإن كانوا أمكن الناس، فقد فعلت بمن قبلهم ذلك، فلا يحزنك أمرهم ) فقد كذبت ( وأتى سبحانه بتاء التأنيث تحقيراً للمكذبين في قدرته وإن كانوا أشد الناس.
ولما كانت هذه لأمم لهظمهم وتمادي أزمانهم كأنهم قد استغرقوا الزمان كلهن لم يأت بالجار فقال :( قبلهم قوم نوح ( وكانوا أطول الناس أعماراً، واشدهم اقتداراً ؛ ولما لم يتعلق في هذا السياق غرض بالمخالفة في ترتيبهم، ساقهم على حسب ترتبيهم في الوجود فقال :( وعاد ( اي ذوو الأبدان الشداد ) وثمود ( أولو الأبنية الطوال، في السهول والجبال ) وقوم إبراهيم ( المتجبرون المتكبرون ) وقم لوط ( الأنجاس، بما لم يسبقهم إليه أحد من الناس ) وأصحاب مدين ( أرباب الموال، المجموعة من خزائن الضلال.
ولما كان موسى عليه السلام قد أتى من الآيات المرئية ثم المسموعة بما لم يأت بمثله أحد ممن تقدمه، فكان تكذيبه في غاية من البعد، غير سبحانه الأسلوب تنبيهاً على ذلك، وعلى أن الذين أطبقوا على تكذيبه القبط، وأما قومه فما كذبه منهم إلا ناس يسير، فقال :( وكذب موسى ( وفي ذلك ايضاً تعظيم للتأسية وتفخيم للتسلية ) فأمليت للكافرين ) أي فتعقب عن تكذيبهم أني أمهلتهم بتلأخير عقوبتهم إلى الوقت الذي ضربته لهم، وعبر عن طول الإملاء بأداة التراخي لزيادة التأسية فقال :( ثم أخذتهم ( ونبه سبحانه وتعالى على أنه كان في أخذهم عبر وعجائب، وأهوال وغرائب، بالاستفهام في قوله :( فكيف كان نكير ( اي إنكاري لأفعالهم، فليحذر هؤلاء الذين أتيتهم بأعظم ما أتى به رسول قومه مثل ذلك.
الحج :( ٤٥ - ٤٧ ) فكأين من قرية.....
) فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ( ( )
ولم كانت هذه الأمم السبعة أكثر أهل الأرض، بل كانت أمة منهم أهل الأرض كما مضى بيانه في الأعراف، فكيف بمن عداهم ممن كان في أزمانهم وبعدهم، وأخبر سبحانه وتعالى أن عادته فيهم الإملاء ثم الإهلاك، تسبب عن ذلك تهويل الإخبارعنهم وتكثيرهم، فقال تعالى شارحاً للأخذ والإمهال على طريق النشر والمشوش :( فكأين من