صفحة رقم ١٧٠
قاضية بعلوه وكبره، فقال :( الم تر ) أي أيها المخاطب ) أن الله ) أي المحيط قدرة وعلماً ) أنزل من السماء ماء ( بأن يرسل رياحاً فتثير سحاباً فيمطر على الأرض الملساء.
ولما كان هذا الاستفهام المتلو بالنفي في معنى الإثبات لرؤية الإنزال لكونه فيه معنى الإنكار، عطف على ) أنزل ( معقباً له على حسب العادة قولع، معبراً بالمضارع تنبيهاً على عظمة النعمة بطول زمان أثر المطر وتجدد نفعه :( فتصبح الأرض ) أي بعد أن كانت مسدة يابسة، ميتة هامدة ) مخضرة ( حية يانعة، مهتزة نامية، بما فيه رزق العبادة، وعمار البلاد، ولم ينصب على أنه جوابه لئلا يفيد نفي الاخضرار، وذلك لأن الاستفهام من حيث فيه معنى الإنكار نفي لنفي رؤية افنزال الذي هو إثبات الرؤية، فيكون ما جعل جواباً له منفياً، لأن الجواب متوقف على ما هو جوابه، فإذا نفى ما عليه التوقف انتفى المتوقف عليه، أي إذا نفى الملزوم انتفى اللازم، وإذا نفي السبب انتفى المسبب - كما تقدم ( فتكون لهم قلوب ) فلو نصب ( يصبح ) على أنه جواب الاستفهام لكان المعنى أن عدم الاخضرار متوقف على نفي للإنزال الذي هو إثبات الإنزال، وهو واضح الفساد، أفاد شيخنا الإمام أبو الفضل رحمه الله.
ولما كان هذا إنتاجاً للأشياء من أضدادها، لأن كلاًّ من الماء في رقته وميوعه والتراب في كثافته، وجموده في غاية البعد عن النبات في تنوعه وخضرته، ونموه وبهجته، قال سبحانه وتعالى منبهاً على ذلك :( إن الله ) أي الذي له تمام العز وكمال العلم ) لطيف ) أي يسبب الأشياء عن أضدادها ) خبير ) أي مطلع على السرائر وإن دقت، فلا يستبعد عليهه إحياء من أراد بعد موته، والإحسان في رزقه.
الحج :( ٦٤ - ٦٧ ) له ما في.....
) للَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإِنْسَانَ لَكَفُورٌ لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي الأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ ( ( )
ولما اقتضى ذلك انهى الترف، لأنه لا بد بعد اختلاط الماء بالتراب من أمور ينشأ عنها النبات، على تلك الهيئات الغريبة المختلفة، فأوجب ذلك أن يكون هو المالك المطلق، قال :( له ما في السماوات ) أي التي أنزل منها الماء، ولما كان السياق لإثبات البعث والانفراد بالماك والدلالة على ذلك، اقتضى الحال التأكيد بإعادة الموصول فقال :( وما في الأرض ) أي التي استقر فيها، وذلك يقتضي ملك


الصفحة التالية
Icon