صفحة رقم ١٧٢
بمسراها في سره ظهور ما يستدعي العفو، وتارة يكن هذا الحفظ بالقوةة بنصب الأدلة، وتارة يضم إلى ذلك الفعل بخلق الهداية في القلب، وهذا خاص بمن له بالمنعم نوع وصلة.
) رحيم ( بما يثبت لهم عموماً من الدرجات على ما منحهم به من ثمرات ذلك الحفظ من الأعمال المرضية لما تقدم في الفاتحة من أن الرحيم خاص الرحمة بما ترضاه الإلهية، وتقدم في البقرة تحقيق هذا الموضع ولما بين سبحانه جملاً من أمهات الدين، وأتبعها لأهله على المعتدين، وختم بما بعد الموت للمهاجرين، ترغيباً في منابذة الكافرين، وعرّف بما له من تمام العلم وشمول القدرة، ومثل ذلك بأنواع من التصرف في خلق السموات والأرضين، وأنهاه بالدلالة على أنه كله لنفع الآدميين نعمة منه، تلا ذلك بما هو أكبر منه نعمة عليهم فقال :( وهو ) أي وحده ) الذي أحياكم ) أي عن الجمادية بعد أن أوجدكم من العدم بعد أن لم تكونوا شيئاً، منة منه عليكم مستقلة، لزم منها المنة بما تقدم ذكره من المنافع الدنيوية لتستمر حياتكم أولاً، الدينية لتنتفعوا بالبقاء ثانياً ) ثم يميتكم ( ليكون الموت واعظاً لأولي الصائر منكم، وزاجراً لهم عما طبعوا عليه من الأخلاق المذمومة ) ثم يحييكم ( للتحلي بفصل القضاء وإظهار العدل في الجزاء.
ولما علم أن كل م في الوجود من جوهر وعرض نعمة على الإنسان حتى الحياة والموت، وكان من أجلي الأشياء، وكانت أفعاله معرضة عن الرب هذه النعم بالعبادة لغيره، أو التقصير في حقه على عمم فضله وخيره، ختم الآية سبحانه بقوله :( إن الإنسان لكفور ( اي بليغ الكفر حيث لم يشكر على هذه النعم المحيطة به.
ولما تقدم ذكر المناسك، ولكثرة الكفار قد يقع في النفس أن إقانتها معجوز عنها، وكشف سبحانه غمة هذا السؤال بآية ) إن الله يدافع عن الذي آمنوا ( وما بعدها، فأنتج ذلك علمنا بتصرفه التام بقدرته الباهرة، وعلمه الشامل المقتضي لإقبال العباد إليه، واجتماعهم كلهم عليه، فمن شك في قدرته على إظهار دينه بمدافعته عن أهله، أو نازع فيه فهو كفور، ذكر بإظهار أول هذا ا لخطاب بآخر ذلك الخطاب مؤكداً لما أجاب به عن ذلك السؤال من تمام القدرة وشمول العلم أنه هو الذي مكنن لكل قوم ما هم فيه من المناسك التي بها انتظام الحياة، فإن نوافقت الأمر الإلهي كانت سبباً للحياة الأبدية، وإلا كانت سبباً للهلاك الدائم، وهو سبحانه الذي نصب من الشرائع لكل قوم ما يلائمهم، لأنه بتغيير الزمان بإيلاج الليل في النهار على مر الأيام وتوالي الشهور والأعوام، بسبب من الأسباب - لأجل امتحان العباد، وإظهار ما خبأ في جبلة كل منهم من طاعة وعصيان، وشكر وكفران - ما يصير الفعل مصلحة بما يقتضيه من الأسباب بعد أن كان