صفحة رقم ١٩٠
وقال في الخصف : هو إطباق طاق على طاق، وأصل الخصف : الضم والجمع، وقال القزاز : وطارقت بين النعلين والثوبين : جعلت أحدهما فوق الآخر - انتهى.
وأصل الطرق الضرب، ومع كون السماوات مطارقة بعضها فوق بعض فهي طرق للملائكة يتنزلون فيها بأوامره سبحانه وتعالى.
ولما كان إهمال الشيء بعد إيجاده غفلة عنه، وكان البعث إحداث تدبير لم يكن كما أن الموت كذلك، بين أن مثل تلك الأفعال الشريفة عادته سبحانه إظهاراً للقدرة وتنزهاً عن العجز والغفلة فقال :( وما كنا ) أي على ما لنا من العظمة ) عن الخلق ) أي الذي خلقناه وفرغنا من إيجاده وعن إحداث مل لم يكن، بقدرتنا التامة وعلمنا الشامل ) غافلين ( بل دبرناه تدبيراً محكماً ربطناه بأسباب تنشأ عنها مسببات يكون بها صلاحه، وجعلنا في كل سماء ما ينبغي أن يكون فيها من المنافع، وفي كل أرض كذلك، وحفظناه من الفساد إلى الوقت الذي نريد فيه طيّ هذا العالم وإبراز غيره، ونحن مع ذلك كل يوم في شأن، وإظهار برهان، نعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها، إذا شئنا أنقذنا السبب فنشأ عنه المسبب، وإذا شئنا منعناه مما هيىء له، فلا يكون شيء من ذلك إلا بخلق جديد، فكيف يظن بنا أنا نترك الخلق بعد موتهم سدى، مع أن فيهم المطيع الذي لم نوفه ثوابه، والعاصي الذي لم ننزل به عقابه، أم كيف لا نقدر على إعادتهم إلى ما كانوا عليه بعد ما قدرنا على إبداعهم ولم يكونوا شيئاً.
ولما ساق سبحانه هذين الدليلين على القدرة على البعث، أتبعهما بما هو من جنسهما ومشاكل للأول منهما، وهو مع ذلك دليل على ختام الثاني من أنه من أجلّ النعم التي يجب شكرها، فقال :( وأنزلنا ( اي بعظمتنا ) من السماء ) أي من جهتها ) ماء بقدر ( لعله - والله أعلم - بقدر ما يسقي الزروع والشجار، ويحيي البراري والقفار، وما تحتاج إليه البحار، مما تصب فيه الأنهار، إذ لو كان فوق ذلك لأغرقت البحار الأقطار، ولو كان دون ذلك لأدى إلى جفاف النبات والأشجار ) فأسكنّاه ( بعظمتنا ) في الرض ( بعضه على ظهرها وبعضه في بطنها، ولم نعمها بالذي على ظهرها ولم نغور ما في بطنها ليعم نفعه وليسهل الوصول إليه ) وإنا ( على ما لنا من العظمة ) على ذهاب به ) أي على إذهابه بأنواع الإذهاب بكل طريق بالإفساد والرفع والتغوير وغير ذلك، مع إذهاب البركة التي تكون لمن كنا نمعه ) لقادرون ( قدرة هي في نهاية العظمة، فإياكم والتعرض لما يسخطنا.
ولما ذكر إنزاله، سبب عنه الدليل القرب على البعث فقال :( فأنشأنا ( أي