صفحة رقم ١٩٣
الألواح في هذا الجبل، ثم أتم له التوراة وهي أعظم الكتب بعد القرآن، وبالكتب السماوية والشرائع الربانية انتظام البقاء الأول، كما سلف في الفاتحة والأنعام والكهف.
ولما ذكر سبحانه إنشاء هذه الشجرة بهذا الجبل البعيد عن مياه ابحار لعلوه وصلابته أو بما حوله من الأرض الحارة، ذكر تميزها عن عامة الأشجار بوجه آخر عجيب فقال :( تنبت ) أي بالماء الذي لا دهن فيه أصلاً، نباتاً على قراءة الجمهور، أو إنباتاً على قراءة ابن كثير وأبي عمرو وورش عن يعقوب بضم الفوقانية، ملتبساً ثمره ) بالدهن ( وهو في الأصل مائع لزج خفيف يتقطع ولا يختلط بالماء الذي هو أصله فيسرج ويدهن به، وكأنه عرّفه لأنه أجلّ الأدهان وأكملها.
ولما كلن المأكول منها الدهن والزيتون قبل العصر، عطف إشعاراً بالتمكن فقال :( وصبغ ) أي وتنبت بشيء يصبغ - أي يلون - الخبز إذا غمس فيه أو أكل به ) للآكلين ( وكأنه نكره لأن في الإدام ما هو أشرف منه وألذ وإن كانت بركته مشهورة ؛ روى الإمام أحمد عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي الأنصاري رضي الله عنه قالك قال رسول الله ( ﷺ ) :( كلوا الزين وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة ).
وللترميذي وابن ماجه عبد بن حميد في مسنده وتفسيره كما نقاه ابن كثير عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ( ﷺ ) قال :( ائتدموا بالزيت وادهنوا به فإنه يخرج من شجرة مباركة ).
وقال أبو حيان : وخص هذه الأنواع الثلاثة من النخل والعنب والزيتون لأنها أكرم الشجر وأجمعها للمنافع.
ولما دل سبحانه وتعالى على قدرته بما أحيا بالماء حياة قاصرة عن الروح، أتبعه ما أفاض عليه به حياة كاملة فقال :( وإن لكم في الأنعام ( وهي الإبل والبقر والغنم ) لعبرة ( يعبرون بها من ظاهر أمرها إلى باطنه مما له سبحانه فيها من القدرة التامة على البعث وغيره ؛ ثم استأنف تفصيل ما فيها م العبرة قائلاً :( نسقيكم ( ولما كان الأنعام مفرداً لكونه اسم جمع، ولم يذكر ما يسقى منه، أنث الضمير بحسب المعنى وعلم أن


الصفحة التالية
Icon