صفحة رقم ٢٠١
هلاكاً وطرداً.
ولما كان كأنه قيلك لمن ؟ قيل : لهم ولكنه أظهر الضمير تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف تحذيراً لكل من تلبس به فقال :( للقوم ( اي الأقوياء الذي لا عذر لهم في التخلف عن اتباع الرسل والمدافعة عنهم ) الظالمين ( الذين وضعوا قوتهم التي كان يجب عليهم بذلها في نصر الرسل في خذلانهم.
ولما كانت عادة المكذبين أن يقولوا تكذيباً : هذا تعريض لنا بالهلاك، فصرَّح ولا تدع جهداً في إحلاله بنا والتعجيل به إلينا، فإنا لا ندع ما نحن عليه لشيء، وكان العرب أيضاً قد ادعوا أن العادة بموتهم وإنشاء من بعدهم شيئاً فشيئاً لا تنخرم، قال تعالى رادعاً لهم :( ثم أنشأنا ) أي بعظمتنا التي لا يضرها تقديم ولا تأخير، وأثبت الجار لما تقدم فقال :( من بعدهم ) أي من بعد من قدمنا ذكره من نوح والقرن الذي بعده ) قروناً آخرين ( ثم أخبر بأنه لم يعجل على أحد منهم قبل الأجل الذي حده له بقوله :( ما تسبق ( ولعله عبر بالمضارع إشارة إلى أنه ما كان شيء من ذلك ولا يكون، وأشار إلى الاستغراق بقوله :( من أمة أجلها ) أي الذي قدرناه لهلاكها ) وما يستأخرون ( عنه، وكلهم أسفرت عاقبته عن خيبة المكذبين وإفلاح المصدقين، وجعلهم بعدهم الوارثين، وعكس هذا الترتيب في غيرها من الآيات فقدم الاستئخار لنه فرض هناك مجيء الأجل فلا يكون حينئذ نظر إلا إلى التأخير.
ولما كان قد أملى لكل قوم حتى طال عليهم الزمن، فلما لم يهدهم عقولهم لما نصب لهم من الأدلة، وأسبغ عليهم من النعم، وأحل بالمكذبين قبلهم من النقم، أرسل فيهم رسولاً، دل على ذلك بأداة التراخي فقال :( ثم ارسلنا ) أي بعد إنشاء كل قرن منهم وطول إمهالنا له، ومن هنا يعلم أن بين كل رسولين فترة، وأضاف الرسل إليه لأنه في مقام العظمة وزيادة في التسلية فقال :( رسلنا تترا ( اي واحداً بعد واحد ؛ قال الرازي : من وتر القوس لاتصاله.
وقال البغوي : واترت الخبر : اتبعت بعضه بعضاً وبين الخبرين هنيهة.
وقال الأصبهاني : والأصل : وترى، فقلبت الواو تاء كما قلبوها في التقوى.
فجاء كل رسول إلى أمته قائلاً : اعبدوا الله ما لكم من إله غيره.
ولما كان كأنه قيل : فكان ماذا ؟ قيل :( كلما جاء أمة ( ولما كان في بيان التكذيب، اضاف الرسول إليهم، ذماً لهم لأن يخصوا بالكرامة فيأبوها ولقصد التسلية أيضاً فقال :( رسولها ) أي بما أمرناه به من التوحيد.
ولما كان الأكثر من كل أمة مكذباً، اسند الفعل إلى الكل فقال :( كذبوه ) أي كما فعل هؤلاء بك لما أمرتهم بذلك ) فأتبعنا ( القون بسبب تكذيبهم ) بعضهم بعضاً ( في الإهلاك، فكنا نهلك الأمة كلها في آن واحد، بعضهم بالصيحة، وبعضهم بالرجفة،