صفحة رقم ٢٠٤
في مقام الترجي أن فيهم من لم يهتد ؛ قال ابن كثير : وبعد أن أنزل التوراة لم تهلك أمة بعامة بل أمر المؤمنين بقتال الكافرين - انتهى.
ولا يبعد على هذا أن يكون الضمير في ) لعلهم ( للقرون الحادثة المدلول عليها بقوله ) قروناً ( وربما أرشد إلى ذلك قوله تعالى :
٧٧ ( ) ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرن ( ) ٧
[ القصص : ٤٣ ] وقد ختم الهلاك العام بالإغراق كما فتح به، والنبيان اللذان وقع ذلك لهما دعا كل منهما على من عصاه، وكلاهما مثله النبي ( ﷺ ) في غزوة بدر في الشدة على العصاة بعمر رضي الله عنه الذي أطاعه النيل وأطاع جيشه الدجلة.
ولما كان من ذكر كلهم قد ردوا من جاءهم لإشعارهم استبعادهم لأن يكون الرسل بشراً، وكان بنو إسرائيل الذين أعزهم الله ونصرهم على عدوهم وأوضح لهم الطريق بالكتاب قد اتخذوا عيسى - مع كونه بشراً - إلهاً، اتبع ذلك ذكره تعجيباً من حال المكذبين في هذا الصعود بعد ذلك نزول في أمر من أرسلوا إليهم، وجرت على أيديهم الآيات لهدايتهمن فقال :( وجعلنا ) أي بعظمتنا ) ابن مريم ( نسبة إليها تحقيقاً لكونه لا أب له، وكونه بشراً محمولاً في البطن مولوداً لا يصلح لرتبة الإلهية ؛ وزاد في حقيق ذلك بقوله :( وأمه ( وقال :( آية ( إشارة إلى ظهور الخوارق على أيديهما حتى كأنهما نفس الآية، فلا يرى منها شيء إلا وهو آية، ولو قال : آيتين، لكان ربما ظن أنه يراد حقيقة هذا العدد، ولعل في ذلك إشارة إلى أنه تكملت به آية القدرة على إيجاد الإنسان بكل اعتبار من غير ذكر ولا أنثى كآدم عليه السلام، ومن الزوجين كبقية الناس، والمراد أن بني إسرائيل - مع الكتاب الذي هو آية مسموعة والنبي الذي هو آية مرئية - لم يهتد أكثرهم.
ولما كان أهل الغلو في عيسى وأمه عليهما الصلاة والسلام ربما تشبثوا من هذه العبارة بشيء، حقق بشريتهما واحتياجهما المنافي لرتبة الإلهية فقال :( وآويناهما ) أي بعظمتنا لما قصد ملوك البلاد الشامية إهلاكهما ) إلى ربوة ) أي مكان عال من الأرض، وأحسن ما يكون النبات في الأماكن المرتفعة، والظاهر أن المراد بها عين شمس في بلاد مصر ؛ قال ابن كثير : قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ليس الربى إلا بمصر والماء حين يرسل تكون الربى عليها القرى، ولولا الربى غرقت القرى، وروي عن وهب بن منبه نحو هذا - انتهى.
) ذات قرار ) أي منبسط صالح لأن يستقر فيه لما فيه من المرافق ) ومعين ) أي ماء ظاهر للعين، ونافع كالماعون، فرع اشتق من أصلين، ولم يقدر من