صفحة رقم ٢٠٩
ولما ذكر أهل الافتراق، أبتبعهم أهل النفاق، فكان كأنه قيل : فمن الذي يكون له الخيرات ؟ فأجيب بأنه الخائف من الله، فقيل معبراً بما يناسب أول السورة من الأوصاف، بادئاً بالخشية لأنها الحاملة على تجديد الإيمان :( إن الذين هم ( اي ببواطنهم ) من خشية ربهم ( اي الخوف العظيم من المحسن إليهم المنعم عليهم ) مشفقون ) أي دائمو الحذر ) والذين هم بىيات ربهم ( المسوعة والمرئية، لا ما كان من جهة غيره ) يؤمنون ( لا يزال إيمانهم بها يتجدد شكراً لإحسانه إليهم.
ولما كان المؤمن قد يعرض له ما تقدم في إيمانه من شرك جلي أو خفي، قال :( والذين هم بربهم ( اي الذي لا محسن إليهم غيره وحده ) لا يشركون ) أي شيئاً من شرك في وقت من الأوقات كما لم يشركه في إحسانه إليهم أحد.
المؤمنون :( ٦٠ - ٦٧ ) والذين يؤتون ما.....
) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ حَتَّى إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ لاَ تَجْأَرُواْ الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ ( ( )
ولما ثبت لهم الإيمان الخالص، نفى عنهم العجب بقوله :( والذين يؤتون ما آتوا ) أي يعطون ما أعطوا من الطاعاتن وكذا قراءة يحيى بن الحارث وغيره : يأتون ما أتوا، أي يفعلون ما فعلوا من أعمال البر لتتفق القراءتان في الإخبار عنهم بالسبق ؛ ثم ذكر حالهم فقال :( وقلبهم وجلة ) أي شديدة الخوف، قد ولج في دخولها وجال في كل جزء منها لأنهم عالمون بأنهم لا يقدرون الله حق قدره وإن اجتهدوا، ثم علل ذلك بقوله :( إنهم إلى ربهم ( اي الذي طال إحشانه إليهم ) راجعون ( بالبعث فيحاسبهم على النقير والقطمير، ويجزيهم بكل قليل و كثير وهو النافذ البصير، قال الحسن البصري : إن المؤمن حمع إيماناً وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمناً.
ثم اثبت لهم ما أفهم أن ضده لأضدادهم فقال :( أولئك ( اي خاصة ) يسارعون ( اي يسبقون سبق من يساجل آخر ) في الخيرات ( فأفهم ذلك ضد ما ذكر لأضدادهم بقوله :( وهم لها ) أي إليها خاصة، أي غلى ثمراتها، ولكنه عبر باللام إشارة إلى زيادة القرب منها والوصول إليها مع الأمن لجعل الخيرات ظرفاً للمسارعة من أخذها على حقيقتها للتعدية ) سابقون ( لجميع الناس، لأنا نحن نسارع لهم في المسببات أعظم من مسارعتهم في الأسباب، ويجوز أن يكون ) سابقون ( بمعنى : عالين، من وادي ( سبقت رحمتي


الصفحة التالية
Icon