صفحة رقم ٢١١
عبثاً، ثم علل ذلك بقوله :( إنكم منا ) أي خاصة ) لا تنصرون ( اي بوجه من الوجوه، ومن عدم نصرنا لم يجد له ناصراً، فلا فائدة لجؤاره إلا إظهار الجزع ؛ ثم علل عدم نصره لهم بقوله :( قد كانت ىياتي (.
ولما كانت عظمتها التي استحقت بها الإضافة إليه تكفي في الحث على الإيمان بمجرد سماعها، بنى للمفعول قوله :( تتلى عليكم ) أي وهي أجلى الأشياء، من أوليائي وهم الهداة النصحاء ) فكنتم ) أي كوناً هو كالجبلة ) على أعقابكم ( عند تلاوتها ) تنكصون ) أي ترجعون القهقرى إما حساً أو معنى، والماشي كذلك لا ينظر ما وراءه، ومضارعه فيه مع الكسر الضم ولم يقرأ به ولو شاذاً، دلالة على أنه رجوع كبر وبطر فهو بالهوينا، ولو قرىء بالضم لدل على القوة فأفهم النفرة والهرب، قال في القاموس : نكص على عقبيه ينكص وينكص : رجع عما كان عليه من خير، وفي الشر قليل، وعن الأمر نكصاً ونكوصاً ونكاصاً.
أو على ما ذكرت دلالة على ما تقديره : حال كونكم ) مستكبرين به ) أي بذلك النكوص، لا شيء غير الاستكبار من هرب أو غيره، ذوي سمر في أمرها بالقول الهجر، وهو الفاحش، ولعله إنما قال :( سامراً ( بلفظ المفرد لأن كلاًّ منهم يتحدث في أمر الآيات مجتمعاً مع غيره ومنفرداً مع نفسه حديثاً كثيراً كحديث المسامر الذي من شأنه أن لا يمل ؛ وقال :( تهجرون ( اي تعرضون عنها وتقولون فيها القول الفاحش، فأسنده غلى الجمع لأن بعضهم كان يستمعها، ولم يكن يفحش القول فيها، أو تعجيباً من أن يجتمع جمع على مثل ذلك لأن الجمع جدير بأن يوجد فيه من يبصر الحق فيأمر به.
المؤمنون :( ٦٨ - ٧٢ ) أفلم يدبروا القول.....
) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ الْقَوْلَ أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ الأَوَّلِينَ أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَآءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ( ( )
ولا كانت الآيات - لما فيها من البلاغة المعجزة، والحكم المعجبة داعية إلى تقبلها بعد تأملها، وكانوا يعرضون عنها ويفحشون في وصفتها تارة بالسحر وأخرى بالشعر، وكره بالكهانة ومرة بغيرها، تسبب عن ذلك افنكار عليهم فقال معرضاً عنهم إيذاناً بالغضب مسنداً إلى الجمع الذي هو أولى بإلقاء السمع :( أفلم يدبروا القول ) أي المتلو عليهم بأن ينظروا في أدباره وعواقبه ولو لم يبلغوا في نظرهم الغاية بما أشار إليه