صفحة رقم ٢٢٨
على رتبته، ومدحه ابلغ مدح لصاحبه، والكريم من ستر مساوىء الأخلاق بإظهار معاليها وتنزه عن كل دناءة ؛ قال القزاز : وأصل الكرم في اللغة الفضل والفعة.
ولما كان التقدير : فمن دعا الله وحده فأولئك هم المفلحون الوارثون في الدارين، عطف عليه قوله :( ومن يدع مع الله ( اي الملك الذي كفوء له لإحاطته بجميع صفات الكمال ) إلهاً ( ولما كانوا لتعنتهم ينسبون الداعي له سبحانه باسمين أو أكثر إلى الشرك، قيد بقوله :( آخر ( ثم أيقظ من سنة الغفلة، ونبه على الاجتهاد والنظر في أيام المهملة، بقول لا أعدل منه ولا أنصف فقال :( لا برهان له ( ولما كان المراد ما يسمى برهاناً ولو على أدنى الوجوه الكافية، عبر بالباء سلوكاً لغاية الإنصاف دون ( على ) المفهمة للاستعلاء بغاية البيان فقال :( به ) أي بسبب دعائه فإنه إذا اجتهد في إقامة برهان على ذلك لم يجد، بل وجد البراهين كلها قائمة على نفي ذلك، داعية إلى الفلاح باعتقاد التوحيد والصلاح، هذا المراد، لا أنه يجوز أن يقوم على شيء غيره برهان ) فإنما حسابه ) أي جزاؤه الذي لا تمكن زيادته ولا نقصه ) عند ربه ( الذي رباه، ولم يربه أحد سواه، وغمره بالإحسان، ولم يحسن إليه أحد غيره، الذي هو أعلم بسريرته وعلانيته منه نفسه، فلا يخفى عليه شيء من أمره.
ولما أفهم كون حسابه عند هذا المحسن أحد أمرين : إما الصفح بدوام الإحسان، وإما الخسران بسبب الكفران، قال على طريق الجواب لمن يسأل عن ذلك :( إنه لا يفلح ( ووضع ) الكافرون ( موضع ضميره تنبيهاً على كفره وتعميماً للحكم، فصار أول السورة وآخرها مفهماً لأن الفلاح مختص به امؤمنون.
ولما كان الأمر كذلك، أمر سبحانه نبيه ( ﷺ ) بالاجتهاد في إنقاذ عباده حتى بالدعاء لله في إصلاحهم ليكون الختم بالرحمة للمؤمنين، كما كان الافتتاح بفلاحهم، فقال عاطفاً على قوله ) ادفع بالتي هي أحسن ( فإنه لا إحسان أحسن من الغفران، أو على معنى ) قال كم لبثتم ( الذي بينته قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي بالأمر :( وقل (، أو يكون التقدير : فأخلص العبادة له ) وقل ( لأجل أن أحداً لا يقدره حق قدره :( رب ( أيها المحسن إليّ ) اغفر وارحم ) أي أكثر من تعليق هاتين الصفتين في امتي لتكثرها، فإن في ذلك شرفاً لي ولهم، فأنت خير الغافرين ) وأنت خير الراحمين ( فَمنْ رحمته أفلح بما توفقه له من امتثال ما أشرت إليه أول السورة، فكان من المؤمنين، فكان من الوارثين الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون، فقد انطبق على الأول هذا الآخر بفوز كل مؤمن، وخيبة كل كافر، نسأل الله تعالى أن يكون لنا أرحم راحم وخير غافر، إنه المتولي للسرائر، والمرجو لإصلاح الضمائر - آمين.
.....