صفحة رقم ٢٤١
أنهم عصبة كما قال تعالى.
وهكذا ذكروا حسان منهم وأنا والله لا أظن به أصلاً وإن جاءت تسميته في الصحيح فقد يخطى الثقة لأسباب لا تحصى، كما يعرف ذلك من مارس نقد الأخبار، وكيف يظن ذلك ولا شغل له إلا مدح النبي ( ﷺ ) واولمدافعة عنه والذم لأعاداءه وقد شهد رسول الله ( ﷺ ) أن جبريل عليه السلام معه، فأقسم بالله أن الذي أيده بجبريل ما كان ليكله غلى نفسه في مثل هذه الواقعة، وقد سبقني إلى الذب عنه الحافظ عماد الدين بن كثير الدمشقي رحمه الله وكيف لا ينافح عنه وهو القائل :
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء
وهو القائل يمدح عائشة رضي الله عنها ويكذب من نقل عنه ذلك :
حصان رزان ما تزنُّ بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل حليلة خير الناس ديناً ومنصباً نبي الهدى والمكرمات الفواضل عقيلة حي من لؤي بن غالب كرام المساعي مجدها غير زائل مهذبة قد طيب الله خيمها وطهرها من كل شين وباطل فإن كان ما بلغت عني قلته فلا رفعت سوطي إليّ أناملي وكيف وودي ما حييت ونصرتي لآل رسول الله زين المحافل له رتب عال على الناس فضلها تقاصر عنها سورة المتطاول
وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب : وأنكر قوم أن يكون حسان خاض في الإفك وجلد فيه ورووا عن عائشة رضي الله عنها أنها برأته من ذلك - انتهى.
واستمر أهل الإفك في هذا أكثر من شهر، والله تعالى عالم بما يقولون، وأن قولهم يكاد يقطع أكباد أحب خلقه إليه، وهو قادر على تكذيبهم عند أول ما خاضوا فيه، ولكنه سبحانه أراد لناس رفعة الدرجات، ولآخرين الهلاك، فيا لله ما لقي النبي صلى عليه وسلم والصديق وآله رضي الله عنهم وكل من أحبهم وهم خير الناس، والله سبحانه وتعالى يملي للآفكين ويمهلهم، وكأن الحال لعمري كما قال أبو تمام الطائي في قصيدة :
كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعين لم يفض ماؤها عذر
وحين سمعت عائشة رضي الله عنها بقول أهل الإفك سقطت مغشياً عليها وأصابتها حمى بنافض، واستأذنت رسول الله ( ﷺ ) في إتيان بيت أبيها فأذن لها فسألت أمها عن الخبر، فأخبرتها فاستعبرت وبكت، وكان رسول الله ( ﷺ ) والصديق فسمع حسها فنزل فسال أمها فقالت : بلغها الذي ذكر من شأنها، ففاضت عيناه، واستمرت هي رضي الله عنها تبكي حتى ظنت أن البكاء فالق كبدها، وساعدتها على البكاء امراءة من أولي الوفاء والمؤاساة والكرم والإيثار ومعالي الشيم : الأنصار رضي الله


الصفحة التالية
Icon