صفحة رقم ٢٦٣
ولما نهى سبحانه عن الإكراه، رغب الموالي في التوبة عند المخالفة فيه فقال :( ومن يكرههن ( دون أن يقول : وإن أكرهن، وعبر بالمضارع إعلاماً بأن يقبل التوبة ممن خالف بعد نزول الآية، وعبر بالاسم العلم في قوله :( فإن الله ( إعلاماً بأن الجلال غير مؤيس من الرجمة، ولعله عبر بلفظ ( بعد ) إشارة إلى العفو عن الميل إلى ذلك الفعل عند مواقعته إن رجعت إلى الكراهة بعده، فإن النفس لا تملك بضغه حينئذ، فقال :( من بعد إكراههن غفور ) أي لهن وللموالي، يستر ذلك الذنب إن تابوا ) رحيم ( بالتوفيق للصنفين إلى ما يرضيه.
النور :( ٣٤ - ٣٥ ) ولقد أنزلنا إليكم.....
) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ ( ( )
ولما أتم سبحانه هذه الآيات في براءة عائشة رضي الله عنها ومقدماتها و خواتيمها، قال عاطفاً على قوله أولها ) وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون ( :( ىيات مبينات ( مفصل فيها بما لنا من الععظمة ترغيباً لكم وترهيباً ) إليكم ) أي لتتعظوا ) أبات مبينات ( مفصل فيها الحق من الباطل، كوضح بالنقل والعقل بحيث صارت لشدة بيانها تبين هي لمن تدبرها طرق الصواب كما أوضحنا ذلك لمن يتدبره في براءة عائشة رضي الله تعالى عنها وما تقدمها وتتبعها مما هو ٣ صلاحكم في الدين والدنيا ) ومثلاً ( اي وشبهاً بأحوالكم ) من الذين خلوا من قبلكم ) أي من أحوالهم بما أنل الله إليهم في التوراة في أحوال المخالطة والزنى وقذف الأبرياء كيوسف ومريم عليهم الاسلام وتبرئتهم كما قدمت كثيراً منه في سورة المائدة وغيرها مما صار في حسن سبكه في هذا الكتاب، وبديع حبكه عند أولي الألباب، كالأمثال السائرة، والأفلاك الدائرة ) وموعظة للمتقين ( بما فيه من الأحكام والفواصل المنبئة عن العلل المذكرة بما يقرب من الله زلفى، وينور القلب، ويوجب الحب والألفة، ويذهب وحر ا لصدر ؛ ثم علل إنزاله لذلك على هذا السنن الأقوم، والنظم المحكم، بقوله :( الله ) أي الذي أحاطت قدرتته وعلمه ) نور ) أي ذو نر ) السموات والأرض ( لأنه مظهرهما بإيجادهما وإيجاد أهلهما وهاديهم بالتنوير بالعلم الجاعل صاحبه بهدايته إلى الصراط ا لمستقيم كالماشي في نور الشمس، لا يضع شيئاً في غير موضعه كما أن الماشي في النور لا يضع رجلاً في غير موضعها اللائق بها،


الصفحة التالية
Icon