صفحة رقم ٢٦٥
ولما كان الزيت يختلف باختلاف شجرته في احتجابها عن الشمس وبروزها لها، لأن الشجر ربما ضعف وخبث ثمره بحائل بينه وبين الشمس، بين أن هذه الشجرة ليست كذلك فقال :( لا شرقية ) أي ليست منسوبة غلى الشرق وحده، لكونها بحيث لا يتمكن منها الشمس إلا عند الشروق لكنها في لحف جيل يظلها إذا تضيقت الشمس للغروب ) ولا غربية ( لأنها في سفح جبل يسترها من الشمس عند الشروق، بل هي بارزة للشمس من حين الشروق إلى وقت الغروب، ليكون ثمرها أنضج فيكون زيته أصفى، قال البغوي : هذا قول ابن عباس رضي الله عنهما في رواية عكرمة والكلبي والأكثرين.
فهي لزكاء عناصرها، وطهارة منبتهاً، وبروزها للشمس والرياح، بحيث ) يكاد زيتها ( لشدة صفائه ) يضيء ولو لم تمسسه نار (.
ولما علم من هذا أن لهذا الممثل به أنواراً متظاهرة بمعاونة المشكاو والزجاجة والمصباح والزيت، فلم يبق مما يقوي نوره ويزيده إشارقاً، ويمده بإضاءة نقية، قال في الممثل له :( نور على نور ) أي أن العلم الرباني عظيم الاتساع كلما سرحت فيه النظر، وأطلقت عنان الفكر، أتى لاغرائب ولا يمكن أن يوقف له على حد.
ولما كان الإخبار عن مضاعفة هذا النور موجباً لا عتقاد أنه لا يخفى عن أحد، أشار إلى أنه - بشمول علمه وتمام قدرته - يعمى عنه من يريد مع شدة ضيائه، وعظيم لألائه، فقال :( يهدي الله ) أي بعظمته المحيطة بكل شيء ) لنوره من يشاء ( كما هدى الله من هدى من المؤمنين لتبرئة عائشة رضي الله عنها قبل إنزال براءتها.
بكون الله اختارها لنبيه ( ﷺ )، ولا يختار له إلا طيباً طاهراً وما شاكل ذلك، وعلم أن قسيم ذلك ( ويضل الله عن نوره من يشاء ) وعلم أن وجه كونه ضل عنه أكثر الناس إنما هو ستر القادر له بنقص في حس من يريد سبحانه إضلاله، لا لنقص في النر كما قال الشاعر :
والنجم تستصغر الأبصار صورته فالذنبللطرف لا للنجم في الصغر
كما سيأتي إيضاح ذلك عند قوله تعالى
٧٧ ( ) إلم تر إلى ربك كيف مد الظل ( ) ٧
[ الفرقان : ٢٥ ]، ومر نفاً في حديث علي رضي الله عنه في الأرواح ما ينفع ههنا.
ولما كان كأنه قيل : ضرب الله هذا المثل لكم لتدبروه فتنفعوا به، عطف عليه قوله :( ويضرب الله ) أي بما له من الإحاطة بكمال القدرة وشمول العلم ) الأمثال للناس ( لعلمه بها، تقريباً للأفهام، لعلهم يهتدون ) والله ) أي الذي له جميع صفات الكمال ) بكل شيء ) أي منها ومن غيرها ) عليم ( يبين كل شيء بما يسهل سبيله فثقوا بما يقول، وإن لم تفهموه أنفسكم وأمعنوا النظر فيه يفتح لكم سبحانه ما انغلق منه.


الصفحة التالية
Icon