صفحة رقم ٢٧٤
فذكر ما يسقي الأرض، وطوى ذكر ما ينشأ عنه منالنبات للعلم به، ذكر أحوال ما يتكون به من الحيوانات دليلاً ظاهراً على الإعادة، وبرهاناً قاهراً على المنكرين لها فقال :( والله ) أي الذي له العلم الكامل والقدرة الشاملة ) خلق كل دآبة ) أي مما تقدم أنه يسبح له.
ولما ذكر أنواعاً من الحيوان، نكر بخلاف ما في الأنبياء فقال :( من ماء ) أي دافق هو أعظم أجزاء مادته كما خلق النبات من ماء ( هامر ) كذلك، وفاوت بينه مع كون الكل من الماء الهامر الذي لا تفاوت فيه ) فمنهم ) أي الدواب.
ولما كان في سياق التعظيم، وكان قد آتى كل نفس من الإدراك ما تعرف به منافعها ومضارها، عبر عن الكل بأداة من يعقل وإن كانوا متفاوتين في التمييز فقال :( من يسمي على بطنه ) أي من غير رجل ؛ وقدم هذا لكونه أدل على القدرة، وسماه مشياً استعارة ومشاكلة ) ومنهم من يمشي على رجلين ) أي ليس غير ) ومنهم من يمشي على أربع ) أي من الأيدي والأرجل، وفي هذا تنبيه على من يمشي على أكثر من ذلك، وإليه الإشارة بقوله :( يخلق الله ( وعبر باسم الجلالة إعلاماً بتناهي العظمة ؛ وقال :( ما يشاء ( دلالة على أنه فعله بقدرته واختياره، لا مدخل لشيء غير ذلك فيه إلا بتقدير العزيز العليم.
ولما كانت هذه الأدلة ناظرة إلى البعث أتم نظر، وكانوا منكرين له، أكد قوله :( إن الله ) أي الذي الكمال المطلق ) على كل شيء ( من ذلك وغيره ) قدير (.
ولما اتضح بهذا ما لله تعالى من صفات الكمال والتنزه عن كل شائبة نقص، وقامت أدلة الوحدانية على ساق، واتسقت براهين الألوهية أي اتساق، قال مترجماً لتلك الأدلة :( لقد أنزلنا ) أي في هذه السورة وما تقدمها، بما لنا من العظمة ) آيات ) أي من الحكم والأحكام والأدلة والأمثال ) مبينات ( لا خفاء في شيء منها عند أحد من الخلق، لأن الله قد أراد هدايتكم، بعضكم بالبيان، وبعضكم بخلق الإذعان ) والله ) أي الملك الأعظم ) يهدي من يشاء ( من العابد كلهم ) إلى صراط مستقيم ( بالقوة بإنزال الآيات، والفعل بخلق الإيمان والإخبات، فيؤمنن إيماناً ثابتاً.
ولما كان إخفاء هذه الآيات عن البعض بعد بيانها أعجب من ابتداء نصبها، فكان السياق ظاهراً في أن التقدير : والله يضل من يشاء فيكفرون بالآيات والذك رالحكيم، وكان الخروج من نورها بعد التلبس بها إلى الظلام أشد غرابة، عطف على ما قدرته مما دل عليه السياق أتم دلالة قوله دليلاً شهودياً على ذلك مطوي، كعجباً ممن عمي عن


الصفحة التالية
Icon