صفحة رقم ٢٧٧
ولما ذكر سبحانه ما رتب على الطاعة الظاهرة التي هي دليل الانقياد الباطن، ذكر حال المنافقين فيه، فقال عاطفاً على ) ويقولون ( لأنه ليس المراد منه إلا مجرد القول من غير إرادة تقييد بزمان معين :( وأقسموا ( وكأنه عبر بالماضي إشارة إلى أنهم لم يسمحوا به أكثر من مرة، لما يدل عليه من زيادة الخضوع والذل ) بالله ) أي الملك الذي له الكمال المطلق ؛ واستعار من جهد النفس قوله في موضع الحال :( جهد أيمانهم ) أي غاية الإقسام ) لئن أمرتهم ) أي بأمر من الأمور ) ليخرجن ( مما هم ملتبسون به من خلافه، كائناً ما كان، إلى ما أمرتهم به، وذلك أنهم كانوا يقولون لرسول الله ( ﷺ ) : أينما كنت نكن معك، إن خرجت خرجنا، وإن أقمت أقمنا، وإن أمرتنا بالجهاد جاهدنا - قاله البغوي.
فكأنه قيل : ماذا تفعل في اختبارهم ؟ فقيل : الأمر أوضح من ذلك، فإن لكل حق حقيقة، ولكل فعل أدلة ) قل ) أي لهم :( لا تقسموا ) أي لا تحلفوا فإن العلم بما أنتم عليه لا يحتاج إلى الإقسام، ولكن المحرك لكم إلى الخروج محبة الامتثال لا إلزام الإقسام، وفيه إشارة إلى أنهم أهل للاتهام، وكذا قال المتنبي :
وفي يمينك فيما أنت واعده ما دل أنك في الميعاد متهم
ثم علل ذلك بقوله :( طاعة ) أي هذه الحقيقة ) معروفة ) أي منكم ومن غيركم، وإرادة الحقيقة هو الذي سوغ الابتداء بها مع تنكير لفظها لأن العموم الذي تصلح له كما قالوا من أعرف المعارف، ولم تعرف ب ( الط لئلا يظن أنها لعهد ذكري أو نحوه، والمعنى أن الطاعة وإن اجتهد العبد في إخفائها لا بد أن تظهر مخايلها على شمائله، وكذا المعصية لأنه ) ما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله رداءها ( رواه الطبراني عن جندب رضي الله عنه، وروى مسدد عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : لو أن رجلاً دخل بيتاً في جوف بيت فأدمن هناك عملاً أوشك الناس أن يتحدثوا به، وما من عامل عمل عملاً إلا كساه الله رداء عمله، إن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر.
ولأبي يعلى والحاكم - وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه عن أبي سعيد رضي الله عنه عن رسول الله ( ﷺ ) قال :( لو أن أحدكم في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة لخرج عمله للناس كائناً ما كان ( ثم علل للخبء بقوله :( إن الله ) أي الذي له الإحاطة بكل شيء ) خبير بما تعلمون ( وإن إجتهدتم في إخفائه، فهو ينصب عليه دلائل يعرفه بها عباده، فالحلف غير مغنٍ عن الحالفن والتسليم غير ضار للمسلم.


الصفحة التالية
Icon