صفحة رقم ٢٨٠
كعب رضي الله عنه قال : لما قدم النبي ( ﷺ ) وأصحابه رضي الله عنهم المدينة، وآوتهم الأنصار - رضي الله عنهم أجمعين، رمتهم العرب من قوس واحدة فنزلت ) ليستخلفنهم في الأرض ( الآية.
ولقد صدق الله سبحانه ومن أصدق من الله حديثاً - ففتح سبحانه لهم البلاد، ونصرهم على جبابرة العباد، فأذلوا رقاب الأكاسرة، واستبعدوا أبناء القياصرة، ومكنوا شرقاً وغرباً مكنة لم تحصل قبلهم لأمة من الأمم، كما قال ( ﷺ ) ( إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها ) يعرف ذلك من طالع فتوح البلاد، وأجمعها وأحسنها النصف الثاني من سيرة الحافظ أبي الربيع بن سالم الكلاعي، وكتابشيخه ابن حبيش أيضاً حامع، ولا أعلم شيئاً أنفع في رسوخ الإيمان، بعد حفظ القرآن، من مطالعة السير والفتوح، وسيرة الكلاعي جامعة للأمرين، ونظمي للسيرة في القصيدة التي أولها :
ما بال جفنك هامي الدمع هامرة وبحر فكرك وافي الهم وافره
أجمع السير - يسر الله إكمال شرحها، آمين.
ولما قتلوا عثمان رضي الله عنه، وخرجوا على عليّ ثم ابنه الحسن رضي الله عنهما، نع الل ذلك الأمن كما أشير إليه ب ( من ) وتنكير ( أمناً ) وجاء الخوف واستمر يتطاول ويزداد قليلاً إلى أن صار في زماننا هذا إلى أمر عظيم - والله المستعان.
ولما كان التقدير : فمن ثبت على دين الإسلام، وانقاد لأحكامه واستقام، نال هذه البشرى، عطف عليه قوله :( ومن كفر ) أي بالإعراض عن الأحكام أو غيرها ؛ أو هو عطف على ) يعبدونني ( لأن معناه : ومن لم يعبدني.
ولما كان الفاسق الكامل إنما هو من مات على كفره فحبط عمله، فكان بذلك كفره مستغرقاً لزمانه دون من مات مسلماً وإن كان كافراً في جميع ما مضى له قبل ذلك، أسقط الجار فقال :( بعد ذلك ) أي الاستخلاف العظيم على الوجه المشروح ) فأولئك ( البعداء من الخير ) هم ( خاصة ) الفاسقون ) أي الخارجون من الدين خروجاً كاملاً، لا تقبل معه معذرة، ولا تقال لصاحبه عثرة، بل تقام عليهم الأحكام بالقتل وغيره، ولا يراعى فيهم ملام، ولا تأخذ بهم رأفة عند الانتقام، كما تقدم في أول السورة فيمن لزمه الجلد، ولعل الآية مشيرة إلى أهل الردة.
ولما تمت هذه البشرى، وكان التقدير : فاعملوا واعبدوا، عطف عليه قوله :( وأقيموا الصلاة ) أي فإنها قوام ما بينكم وبين ربكم، مع أنه يصح عطفه على قوله