صفحة رقم ٢٨٦
ولما رغب في أول الإسلام - لما كان فيه أكثر الناس من الضيق - في المؤاساة، والاجتماع مع الضيوف، ترغيباً ظن به الوجوب، مع ما كانوا عليه من الكرم الباعث على الجود والاجتماع للأنس بالمحتاج، خفف عنهم بقوله :( أو أشتاتاً ) أي متفرقين لغير قصد الاستقذار، والترفع والإضرار، وإن كان الأكل في جماعة أفضل وأبرك - كما يفهمه تقديمه، فقد روى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه عن وحشي بن حرب عن أبيه عن جده أن رجلاً قال للنبي ( ﷺ ) : إنا نأكل ولا نشبع، قال :( فلعلكم تأكلون متفرقين ؟ اجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه ) ولابن ماجه عن عمر رضي الله عنه عن رسول الله ( ﷺ ) أنه قال :( كلوا جميعاً ولا تفرقوا فإن البركة مع الجماعة ) ولما ذكر مواطن الأكل وكيفيته، ذكرالحال التي يكون عليها الداخل إلى تلك المواطن أو غيرهن فقال مسبباً عما مضى من الإذن، معبراً بأداة التحقيق، بشارة بأنهم يطيعون بعد أن كانوا تحرجوا من ذلك حين أنزل تعالى
٧٧ ( ) ا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ( ) ٧
[ النساء : ٢٩ ] :( فإذا دخلتم ) أي بسبب ذلك أو غيره ) بيوتاً ) أي مأذوناً فيها، أيّ بيوت كانت مملوكة أو لا، مساجد أو غيرها ) فسلموا ( عقب الدخول ) على أنفسكم ( اي أهلها الذين هم منكم ديناً وقرباً، وعبر بذلك ترغيباً بالإسلام، والإحسان في الإكرام، ولتصلح العبارة لما إذا لم يكن فيها أحد فيقال حينئذ ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) فيكون من الاستعمال في الحقيقة والمجاز ) تحية ( مصدر من المعنى دون اللفظ، أو أوقعوا الدعاء للمحيي بسلامة وحياة وملك بقاء ) من عند الله ) أي هي جديرة لتمام حسنها أن تضاف إلى من له الكمال كله سبحانه ) مباركة ) أي ثابتة أعظم ثبات بكونها موافقة لما شرع الله من خالص قلوبكم ) طيبة ( تلذذ السمع ؛ ثم وصف البيان، تنبيهاً على ما في هذه آيات من الحسن والإحسانن فقال مستأنفاً كما مر غير مرة :( كذلك ) أي مثل هذا البيان، العظيم الشأن ) يبين الله ) أي المحيط بكل شيء ) لكم الآيات ( التي لا أكمل منها.
ولما كان الله تعالى، بعلمه وحكمته، وعزه وقدرته، ولطفه وخبرته، قد خلق عقلاً نيراً إلى الحق، وإلى طريق مستقيم، وقسمع بين عباده، وخلق فيهم أنواعاً


الصفحة التالية
Icon