صفحة رقم ٣٠١
بعده من بلاد فارس والروم ذات القصور والجنان التي لا مثل لها ولذلك عبر في الجنات بالماضي، وفي القصور بالمضارع، وأتيحوا كنوز كسرى بن هرمز، فإن اللائق بمقام ا لملوك أن تكون إشارتهم أوسع من عباراتهم، فإذا ذكروا شيئاً ممكناً على سبيل الفرض كان من إرادتهم إيجاده، ويحبون أن يكتفي منهم بالإيماء، وأن يعتمد على تلويحهم أعظم مما يعتمد على تصريح غيرهم، وأن يعد المفروض منهم بمنزلة المجزوم به من غيرهم، والممكن في كلامهم كالواجب، فما ظنك بملك الملوك القادر على كل شيء وهو قد صرف سبحانه الخطاب إلى إعلى الناس فهماً، وأغزرهم علماً، وقد أراه سبحانه ما يكون من ذلك من بعده في غزوة الخندق.
روى البيهقي في دلال النبوة عن عمرو بن عوف المزني رضي الله عنه أن النبي ( ﷺ ) لما خط الخندق ليحفره جعل على كل عشرة اربعين ذراعاً، وكان سلمان الفارسي رضي الله عنه رجلاً قوياً، فاختلف فيه المهاجرون والأنصار، فقال النبي ( ﷺ ) :( سلمان منا أهل البيت ) فخرجت لهم صخرة بيضاء مدورة، قال عمرو : فكسرت حديدنا.
وشقت علينا، فقلنا : يا سلمان ارق إلى رسول الله ( ﷺ ) فأخبره خبر هذه الصخرة، فأخبر فأخذ ( ﷺ ) المعول من سلمان فضربها ثلاث ضربات صدع فيها في كل ضربة صدعاً، وكسرها في الثالثة، وبرقت مع كل ضربة برقة أضاءت ما بين لابتي المدينة حتى لكأن مصباحاً في جوف بيت مظلم، وكبر رسول الله ( ﷺ ) مع كل برقة تكبيرة، ثم أخذ بيد سلمان فرقي فسأله سلمان للقوم :( هل رأيتم ما يقول سلمان ؟ ) قالوا : نعم يا رسول الله بأبينا أنت وأمنا قد رأيناك تضرب فيخرج برق كالموج فرأيناك تكبر، لانرى شيئاً غير ذلك، فقال :( أضاءت لي من البرقة الأولى قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب، ومن الثانية القصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب، ومن الثالثة قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني، جبريل عليه الصلاة والسلام أن أمتي ظاهرة عليها ) فاستبشر المسلمون وقالوا : الحمد لله موعود صادق بأن وعدنا النصر بعد الحصر، فطلعت الأحزاب فقال المسلمون
٧٧ ( ) هذا ما وعدنا الله وروله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً ( ) ٧
[ الأحزاب : ٢٢ ] وقال المنافقون في ذلك ما أشار إليه لله تعالى في القرآن ؛ ثم إن الله تعالى كذب المنافقين وصدق رسوله ( ﷺ )، فافتتح أصحابه رضي الله عنهم جميع ما ذكر،


الصفحة التالية
Icon