صفحة رقم ٣٠٤
و إرخاء العنان، تنبيهاً للعاقل على أنه يكفيه في الرجوع عن الغي طروق احتمال لكون ما هو عليه مفضولاً قال :( خير أم جنة الخلد ) أي الإقامة الدائمة ) التي وعد المتقون ( اي وقع اوعد الصادق المحتم بها، ممن وعده هو الوعد، للذين خافوا فصدقوا بالساعة جاعلين بينهم وبين أهوالها وقاية مما أمرتهم به الرسل ؛ ثم حقق تعال أمرها تأكيداً للبشارة بقوله :( كانت ) أي تكونت ووجدت بإيجاده سبحانه ) لهم جزاء ( على تصديقهم وأعمالهم ) ومصيراً ( اي مستقراً ومنتهى، وذلك مدح لجزائهم لأنه إذا كان في محل أوسع طيب كان أهنأ له وألذ كما أن العقاب إذا كان في موضع ضيق شنيع كان أنكى وأوجع، وهو استفهام تقريع وتوبيخ لمن كان يعقل فيجوز الممكنات.
ولما ذكر تعالى نعيمهم بها ذكر، تنعيمهم فيها فقال :( لهم فيها ) أي الجنة خاصة لا في غيرها ) ما يشاؤون ( من كل ما تشتهيه أنفسهم ) خالدين ( لا يبغون عنه حولاً ) كان ) أي ذلك كله ) على ربك ) أي المحسن إليك بالإحسان إلى أتباعك ) وعداً (.
ولما أشار سبحانه إلى إيجاب ذلك على نفسه العظيمة بالتعبير ب ( على ) والوعد، وكان الإنسان لا سيما مجبولاً على عزة النفس، لا يكاد يسمح بأن يسأل فيما لا يحقق حصوله، قال :( مسؤولاً ( اي حقيقاً بأن يسأل إنجازه، لأن سائله خليق بأن يجاب سؤاله، وتحقق ظنونه وآماله، فالمعنى أنه إذا انضاف إلى تحتيمه الشيء على نفسه سؤال الموعود به إياه، أنجز لا محالة، وهو من وادي
٧٧ ( ) أجيب دعوة الداع إذا دعان ( ) ٧
[ البقرة : ١٨٦ ] وفيه حث عظيم على الدعاء، وترجية كبيرة للإجابة، كما وعد بذلك سبحانه في
٧٧ ( ) أجيب دعوة الداع ( ) ٧
[ البقرة : ١٨٦ ] و
٧٧ ( ) ادعوني أستجب لكم ( ) ٧
[ غافر : ٦٠ ] وإن لم ير الداعي الإنجاز فإن الأمر على ما رواه الإمام أحمد والبزار وأبو يعلى المنذري : بأسانيد جيدة - والحاكم وقال : صحيح الإسناد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي ( ﷺ ) قال :( ما من مسلم يدعو ليس فيهم إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث : أما أن يجعل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها )، قالوا : إذن نكثر ؟ قال : الله أكثر ( وللحاكم عن جابر رضي الله عنه عن النبي ( ﷺ ) قال :( يدعو الله بالمؤمن يوم القيامة حتى يوقفه بين يديه فيقول : عبدي إ، ي أمرتك أن تدعوني، ووعدتك أن أستجيب لك فهل كنت تدعوني ؟ فيقول : نعم يا ربفيقول : أما إنك لم تدعني بدعوة إلا استجيب لك ؟


الصفحة التالية
Icon