صفحة رقم ٣٠٨
ولما كان هذا أمراً واقعاً لا محالة، التفت إليهم مبكتاً فقال معبراً بالماضي بعد ( قد ) المقربة المحققة :( فقد كذبوكم ) أي المعبودون كذبوا العابدين بسبب إلقائهم السلم المقتضي لأنهم لا يستحقون العبادة وأنهم يشفعون لكم مقهورين مربوبين ) بما ) أي بسبب ما ) تقولون ( أيها العابدون من أنهم يستحقون العبادة، وأنهم يشفعون لكم، وأنهم أضلوكم، وفي قراءة ابن كثير بالتحتانية المعنى : بما يقول المعبدون من التسبيح لله والإذعان، في ادعائكم أنهم أضلوكم.
ولما تسبب عن إلقائهم السلم وتخليهم عمن عبدهم أنه لا نفع في أيديهم ولا ضر، قال :( فما تستطيعون ) أي المعبدون ) صرفاً ) أي لشيء من الأشياء عن أحد من الناس، لا أنتم ولا غيركم، من عذاب ولا غيره، بوجه حيلة ولا شفاعة ولا مفاداة ) ولا نصراً ( بمغالبة، وهو نحو قوله تعالى
٧٧ ( ) فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلاً ( ) ٧
[ الإسراء : ٥٦ ].
ولما كان التقدير : فمن يعل منكم لسماع هذا الوعظ بوضع العبادة في موضعها نثبه ثواباً جليلاً، عطف عليه ما المقام له فقال :( ومن يظلم منكم ( بوضعها في غير موضعها، وباعتقاده في الرسل ما لا ينبغي لهم أن يكونوا مثل الناس في أكل ولا طلب معيشة ونحو ذلك ) نذقه ( في الدنيا والآخرة، بما لنا من العظمة ) عذاباً كبيراً (.
ولما أبطل سبحانه ما وصموا به رسوله ( ﷺ ) وذكر ما جزاهم عليه.
وما أعد لهم وله ولأتباعه، ونف ما زعموه في معبوداتهم وختمه بتعذيب الظالم، ذكر ما ظلموا فيه من قولهم ) ما لهذا الرسول ( ونحوه، فبين أن ما جعلوه من ذلك وصمة في حقه هو سنته سبحانه في الرسل من قبله أسوة لنوعهم البشري، وأتبعه سره فقال زيادة في التسلية والتعزية والتأسية :( وما أرسلنا ( بما لنا من العظمة.
ولما كان المراد العموم، أعراه من الجار فقال :( قبلك ( اي يا محمد أحداً ) من المرسلين إلا ( وحالهم ) إنهم ليأكلون الطعام ( ما نأكل ويأكل غيرك من الآدميين ) ويمشون في الأسواق ( كما تفعل ويفعلون أي إلا وحالهم الأكل والمشي لطلب المعاش كحال سائر الآدميين، وهو يعلمون ذلك لما سمعوا من أخبارهم، وهذا تأكيد من الله تعالى فإ، هم لا يكذبونه عليه الصلاة والسلام، ولا يعتقدون فيه نقصاً، وإبطال لحجتهم بما قالوه من ذلك، وإقامة للحجة على عنادهم، وأنهم إنما يقولونه وأمثاله لمما تقدم من رسوخ التكذيب بالساعة في أنفسهم ) وجعلنا ) أي بالعطاء والمنع بما لنا من العظمة ) بعضكم لبعض فتنة ( بأ، جعلنا هذا نبياً وخصصناه بالسالة، وهذا ملكاً وخصصناه بالدنيا، وهذا فقيراً وحرمناه