صفحة رقم ٣١٠
فصاروا يتعرفون إلى جمادات سموها أربابهم، ويقصدونها ويتمسحون بها رجاء للمحال، والانهماك في الضلال، فذكر الرجاء لهذا الغرض مع أنه يلزمه عدم الخوف :( لولا ) أي هلا ولم لا.
ولما كان مرادهم لجهلهم أن يروهم كلهم دفعة واحدة، عبر الإنزال فقال : من لا يحد وصف عظمته، ولا تدرك مقاصد حكمته، قال مصدراً بحرف التوقع لما أرشد إليه السياق جواباً لمن كأنه سأل : ما حالهم في هذا ؟ ) لقد ) أي وعزتنا لقد ) استكبروا ) أي طلبوا بل أوجدوا الكبر.
ولما لم يكن لكبرهم ثمرة في الظاهر، لأنه لا يعود بالضرر على أحد غيرهم، قال :( في أنفسهم ) أي بطلب رؤية الملائكة.
ولما كان حاصل أمرهم أنهم طلبوا رتبة النبي الذي واستطته الملك، وزادوا عليه رؤية جميع الملائكة الآخذين عن الله، وزادوا على ذلك بطلب الرؤية، قال :( وعتوا ) أي وجاوزوا الحد في الاستكبار بما وراءه من طلبهم رؤية جميع الملائكة ورؤية الملك الجبار، وزاد في تأكيد هذا المعنى لاقتضاء المقام له بقوله :( عتواً كبيراً ( وبيان أنهم ما قالوا هذا إلا عتواً وظلماً أن ما جاءهم من الآيات التي أعظمها القرآن دلهم قطعاً بعجزهم عنالإتيان بشيء منه على صدقه ( ﷺ ) عن الله في كل ما يقوله، وفي حسن هذا الاستئناف وفحوى هذا السياق دلالة على التعجب من غير لفظ تعجب فالمعنى : ما أشد استكبارهم وأكبر عتوهم ثم بين لهم حالهم عند بعض ما طلبوا فقال :( يوم ( وناصبه ما دل عليه ( لا بشرى ) ) يرون الملائكة ) أي يوم القيامة أو قبله في الغزوات أو عند الاحتضار ) لا بشرى ) أي من البشر أصلاً ) يومئذ للمجرمين ) أي لأحد ممن قطع ما أمر الله به أن يوصل، ولبيان ذلك أظهر موضع الإضمار ) ويقولون ) أي في ذلك الرقت :( حجراً محجوراً ) أي نطلب منعاً منكم ممنوعاً، أي مبالغاً في مانعيته، ويجوز أن يراد بالمفعول الفاعل، والمعنى واحد في أنهم يريدون أن يمون بينهم وبين الملائكة مانع عظيم يمنعهم منهم ؛ قال أبو عبيدة : وهذا عوذة العرب، يقوله من خاف آخر في الحرم أو شهر حرام إذا لقيه وبينهما ترة وقال سيبويه : يريد البراءة من الأمر ويبعد عن نفسه أمراً، فكأنه قال : أحرم ذلك حراماً محرماً، ومثل ذلك أن يقول الرجل للرجل : أتفعل كذا وكذا ؟ فيقول : حجراً أي ستراً وبراءة من هذا، فهذا ينتصب على


الصفحة التالية
Icon