صفحة رقم ٣١٣
واحداً من الأعمال التي دعاني إليها، وأطعته طاعة ما، لما انكشف لي في هذا اليوم من أن كل من أطاعه ولو لحظة حصلت له سعادة بقدرها، وعض اليد والأنامل وحرق الأسنان ونحو ذلك كناية عن الغيظ والحسرة لأنها من روادفهما، فتذكر الرادفه دلالة على المردوف فيرتفع الكلام في طبقة الفصاحة إلى حد يجد السامع عنده في نفسه من الروعة والاستحسان ما لا يجده عند المكنى عنه.
ولما تأسف على مجانبة الرسول، تندم على مصادقة غيره بقوله :( يا ويلتي ) أي يا هلاكي الذي ليس لي منادم غيره لأ، ه ليس بحضرتي سواه.
ولما كان يريد محالاً، عبر بأداته فقال :( ليتني لم أتخذ فلاناً ( يعني الذي أضله - يسميه باسمه، وإنما كنى عنه وهو سبحانه لا يخاف من المناواة، ولا يحتاج إلى المداجاة، إرادة للعموم وإن كانت الآية نزلت في شخص معين ) خليلاً ) أي صديقاً أوافقه في أعماله لما علمت من سوء عاقبتها، ثم استأنف قوله الذي يتوقع كل سامع أن يقوله :( لقد ) أي والله لقد ) أضلني عن الذكر ) أي عمّي عليّ طريق القرآن الذي لاذكر في الحقيقة غيره وصرفني عنه، والجملة في موضع العلة لما قبلها ) بعد إذ جائني ( ولم يكن منه مانع يظهر غير إضلاله.
ولما كان التقدير : ثم ها هو قد خذلني أحوج ما كنت إلى نصرته، عطف عليه قوله :( وكان الشيطان ) أي كل من كان شبباً للضلال من عتاه الجن والإنس ) للإنسان خذولاً ( أس شديد الخذلان يورده ثم يسلمه إلى أكره ما يكره، لا ينصره، ولو أراد لما استطاع، بل هو شر من ذلك، لأن عليه إثمه في نفسه ومثل إثم من أضله.
ولما ذكر سبحانه أقوال الكفار إلى أن ختم بالإضلال عن الذكر، وكانوا مع إظهارهم التكذيب به وأنه مفتعل في غاية الطرب له، والاهتزاز به، والتعجب منه، والمعرفة بأنه يكون له نباً، أشار إلى ذلك بقوله : عاطفاً على ) وقالوا ما لهذا الرسول ( معظماً لهذه الشكاية منه ( ﷺ )، مخوفاً لقومه لأن الرسل قبله عليهم الصلاة والسلام كانوا إذا شكوا أنزل بقومهم عذاب الاستئصال :( وقال الرسول ( يعني محمداً ( ﷺ ) :( يا رب ( أيها المحسن إليّ بأنواع الإحسان الذي أعظمه الرسالة، وعبر بأداة البعد هضماً لنفسه مبالغة في التضرع ) إن قومي ) أي قريشاً الذين لهم قوة وقيام ومنعة ) اتخذوا ) أي يتكليف أنفسهم ضد ما تجده ) هذا القرآن ) أي المقتضي للاجتماع عليه والمبادرة إليه ) مهجوراً ) أي متروكاً، فأشار بصيغة الافتعال إلى أنهم عالجوا أنفسهم في تركه علاجاً كثيراً، لما يرون من حسن نظمه، ويذقون من لذيذ معانيه، ورائق أسالبيه، ولطيف عجائبه، وبديع غرائبه، كما تعرّف به قصة أي جهل وأبي سفيان بن حرب


الصفحة التالية
Icon