صفحة رقم ٣١٦
ولما كان إنزله مفرقاً أحسنن أكده بقوله عطفاً على الفعل الذي تعلق به طكذلك ( ) ورتلناه ترتيلا ) أي فرقناه في الإنزال إليك تفريقاً في نيف وعشرين سنة ؛ وقال البغوي : قال ابن عباس رضي الله عنهما : بيناه بياناً، والنرتيل : التبين في ترسل وتثبت انتهى.
وأصله ترتيل الأسنان وهو تفليجها كنور الأقحوان.
ولما كان التقدير : قد بطل ما أتوا به هذا الاعتراض، عطف عليه قوله :( ولا يأتونك ) أي المشركون ) بمثل ) أي باعتراض في إبطال أمرك يخيلون به لعقول الضعفاء بما يجتهدون في تنميقه وتحسينه وتدقيقه حتى يصير عندهم في غاية الحسن والرشاقة لفظاً ومعنى ) إلا جئناك ) أي في جوابه ) بالحق ( ومن الألف واللام الدالة على الكمال يُعرَف أن المراد به الثابت الذي لا شيء أثبت منه، فيرهق ما أتوا به لبطلانه، ويفتضح بعد ذلك الستر فضيحة تخجّل القائل والسامع القابل.
ولما كانالتقدير في الأصل : بأحق منه، وإنما عبر بالحق، لئلا يفهم أن لما يأتون به وجهاً في الحقيقة، عطف عليه قوله :( وأحسن ) أي من مثلهم ) تفسيراً ) أي كشفاً لما غطى الفهم من ذلك الذي خيلوا به وادعوا أنهم أوضحوا به وجهاً من وجوه المطاعن، فجزم أكثر من السامعين بحسنه.
ولما أنتجت هذه الآيات كلها أنهم معاندون لربهم، وأنهم يريدن بهذه السؤالات أن يضللوا سبيله، ويحتقروا مكانته، ويهدروا منزلته، علم قطعاً أنه يعمر بهم دار الشقاء، وكان ذلك أدل على أنهم أعمى الناس عن الطرق المحسوسة، فضلاً عن الأمثال المعلومة، والتمثيل للمدارك الغامضة، وأنهم أحقر الناس لأنه لا ينتقص الأفاضل إلا ناقص، ولا يتكلم الإنسان إلا فيمن هو خير منه، قال معادلاً لقوله :
٧٧ ( ) أصحاب الجنة يومئذ خير ( ) ٧
[ الفرقان : ٢٤ ] واصفاً لما تقدم أنه أظهره موضع الإضمار من قوله
٧٧ ( ) الذين كفروا ( ) ٧
[ الفرقان : ٣٢ ] ) ألذين يحشرون ( اي يجمعون قهراً ماشين مقلوبين ) علةى وجوههم ( أو مسحوبين ) إلى جهنم ( كما أنهم في الدنيا كانوا يعملون ما كأنهم معه لا يبصرون ولا تصرف لهم في أنفسهم، تؤزهم الشياطين أزاً، فإن الآخرة مرآة الدنيا، مهما عمل هنا رئي هناك، كما أن الدنيا مزرعة الآخرة، مهما عمل فيها جنيت ثمرته هناك ( روى البخاري عن أنس رضي الله عنهما أن رجلاً قال : يا نبي الله كيف يحشر الكفر على وجهه يوم القيامة ؟ قال :( أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادراً على أن يمشيه على ةجهه يوم القيامة ؟ ( قال قتادة : يعني الراوي عن أنس :( بلى وعزة ربنا.


الصفحة التالية
Icon