صفحة رقم ٣٢٥
وتقلباً بما أوجد فيه من اليقظة المذكرة بالبعث، المهيئة للتقلب، برد ما أعدمه النوم من جميع الحواس ؛ يحكى أن لقمان قال لابنه : كما تنام فتوقظ فكذلك تموت فتنشر.
فالآية من الاحتباك : ذكر السبات أولاً دليلاً على الحركة ثانياً، والنشور ثانياً دليلاً على الطيّ والكسون أولاً.
ولما دل على عظمته بتصرفه في المعاني بالإيجاد والإعدام، وختمه بالإماتة والإحياء بأسباب قريبة، أتبعه التصرف في الأعيان بمثل ذلك، دالاًّ على الإماتة والإحياء بأسباب بعيدة، وبدأه بما هو قريب للطافته من المعاني، وفيه النشر الذي ختم به ما قبله، فقال :( وهو ) أي وحده ) الذي أرسل الرياح ( فقراءة ابن كثير بالإفراد لإرادة الجنس، وقراءة غيره بالجمع أدل على الاختيار بكونها تارة صباً وأخرى دبوراً، ومة شمالاً وكرة جنوباً وغير ذلك ) بشراً ) أي تبعث بأرواحها السحاب، كما نشر بالنهار أرواح الأشباح ) بين يدي رحمته ( لعباده بالمطر.
ولما كان السحاب قريباً من اللطافة، والماء قريباً منهما ومسباً عما تحمله الريح منالسحاب، أتبعهما به، ولما كان في إنزاله من الدلالة على العظمة بإيجاده هنالك وإمساكه ثم إنزاله في الوقت المراد والمكان المختار على حسب الحاجة ما لا يخفى، غير الأسلوب مظهراً للعظمة فقال :( وأنزلنا من السماء ( اي حيث لا ممسك للماء فيه غيره سبحانه ) ماء ( ثم أبدل منه بياناً للنعمة به فقال :( طهوراً ) أي طاهراً في نفسه مطهراً لغيره، اسم آلة كالسحور والسنون لما يتسحر به ويستن به، ونقل أبو حيان عن سيبويه أنه مصدر لتطهّر المضاعف جرى على غير فعله.
وأما جعله مبالغة لطاهر فلا يفيد غير أنه بليغ الطهارة في نفسه لأن فعله قاصر.
ولما كانت هذه الأفعال دالة على البعث لكن بنوع خفاء، أتبعها ثمرة هذا الفعل دليلاً واضحاً على ذلك، فقال معبراً بالإحياء لذلك، معللاً للطهور المراد به البعد عن جميع ما يدنسه من ملوحة أو مرارة أو كبرتة ونحو ذلك مما يمنع كمال الانتفاع به :( لنحي به ) أي بالماء.
ولما كان المقصود بإحياء الأرض بالنبات إحياء البلاد لإحياء أهلها قال :( بلدة ( ولو كان ملحاً أو مراً أو مكبرتاً لم تكن فيه قوة الإحياء.
ولما كره أن يفهم تخصيص البلاد، أجري الوصف باعتبار الموضع ليعم كل مكان فقال :( ميتاً ) أي بما نحدث فيه من النبات بعد أن كان قد صار هشيماً ثم تراباً، ليكون ذلك آية بينة على قدرتنا على بعث الموتى بعد كونهم تراباً.