صفحة رقم ٣٣٢
الجمعة عيداً للمسلمين لأن الخلق اجتمع فيه بخلق آدم عليه السلام فيه في آخر ساعة.
ولما كان تدبير هذا الملك أمراً باهراً، أشار إليه بأداة التراخي فقال :( ثم استوى على العرش ) أي شرع في تدبير لهذا الملك الذي اخترعه وأوجده، وهو وذنوبهم من جملته كما يفعل الملوك في ممالكهم، لا غفلة عنده عن شيء أصلاً، ولا تحدث فيه ذرة من ذات أو معنى إلا بخلق جديد منه سبحانه، رداً على من يقول من اليهود وغيرهم : إن ذلك إنما هو بما دبر في الأزل من الأسباب، وأنه الآن لا فعل له.
ولما كان المعصى إذا علم بعصيان من يعصيه وهو قادر عليه لم يمهله، أشار إلى أنه على غير ذلك، حاضاً على الرفق، بقوله :( الرحمن ) أي الذي سبقت رحمته غضبهن وهو يحسن إلى من يكفره، فضلاً عن غيره، فأجدر عباده بالتخلق بهذا الخلق رسله، و الحاصل أنه أبدع هذا الكون وأخذ في تدبيره بعموم الرحمة في إحسانه لمن يسمعه يسبّه بالنسبة له إلى الولد، ويكذبه في أنه يعيده كما بدأه، وهو سبحانه قادر على الانتقام منه بخلاف ملوك الدنيا فإنهم لا يرحمون من يعصيهم مع عجزهم.
ولما كان العلم لازماً للملك، سبب عن ذلك قوله على طريق التجريد :( فاسأل به ) أي بسبب سؤالك إياه ) خبيراً ( عن هذه الأمور وكل أمر تريده ليخبرك بحقيقة أمره ابتداء وحالاً ومآلاً، فلا يضيق صدرك بسبب هؤلاء المدعوين، فإنه ما أرسلك إليهم إلا وهو عالبم بهم، فسيعلي كعبك عليهم، ويحسن لك العاقبة.
ولما ذكر إحسانه إليهم، وإنعامه عليهم، ذكر ما أبدوه من كفرهم في موضع شكرهم فقال :( وإذا قيل لهم ) أي هؤلاء الذين يتقلبون في نعمه، ويغذوهم بفضله وكرمه، من أيّ قائل كان :( اسجدوا ) أي اخضعوا بالصلاة وغيرها ) للرحمن ( الذي لا نعمة لكم إلا منه ) قالوا ( قول عال متكبر كما تقدم في معنى ) ظهيراً ( :( وما الرحمن ( متجاهلين عن معرفته فضلاً عن كفر نعمته معبرين بأداة ما لا يعقل، وقال ابن العربي : إنهم إما عبروا بذلك إشارة إلى جهلهم الصفة، دون الموصوف.
ثم عجبوا من أمره بذلك منكرين عليه، بقولهم :( أنسجد لما تأمرنا ( فعبروا عنه بعد التجاهل في أمره والإنكار على الداعي إليه أيضاً بأداة ما لا يعقل ) زادهم ( هذا الأمر الواضح المقتضي للإقبال والسكون شكراً للنعم وطمعاً في الزيادة ) نفوراً ( لما عندهم من الحرارة الشيطانية التي تؤزهم أزاً، فلا نفرة توازي هذه النفرة، ولا ذم أبلغ منه.
ولما ذكر حال النذير الذي ابتدأ به السرة في دعائه إلى الرحمن الذي لو لم يدع إلى عبادته إلا رحمانيته لكفى، فكيف بكل جمال وجلال، فأنكروه، اقتضى الحال أن