صفحة رقم ٣٣٦
محيطا بمن تعلق به مذلاً له، دائماً بمن غرى به، لازماً له لا ينفك عنه ونحن كنا نسير على من آذانا.
ولما ثبت لها هذا الوصف، أنتج قوله :( إنها سات ) أي تناهت هي في كل ما يحصل منه سوء، وهي في معنى بئست في جميع المذام ) مستقراً ) أي من جهة موضع استقرار ) ومقاماً ) أي موضع إقامة.
الفرقان :( ٦٧ - ٧٢ ) والذين إذا أنفقوا.....
) وَالَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهَا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً ( ( )
ولما ذكر أفعالهم وأقوالهم فيما بينهم وبين الخلق وقدمه، والخالق وأخره، لأن وجوبه يكون بعد ذلك، ذكر أحوالهم في أموالهم، نظراً إلى قول الكفرة ) ) أو يلقى إليه كنز ( ) [ الفرقان : ٨ ] وهداية إلى طريق الغنى لأنه ما عال من اقتصد، فقال :( والذين إذا أنفقوا ) أي للخلق أو الخالق في واجب أو مستحب ) لم يسرفوا ) أي يجاوزوا الحد في النفقة بالتبذير، فيضيعوا الأموال في غير حقها فيكنوا إخوان الشياطين الذين هم من النار ففعلهم فعلها ) ولم يقتروا ) أي يضيقوا فيضيعو الحقوق ؛ ثم بين العدل بقوله :( وكان ) أي إنفاقهم ) بين ذلك ( اي الفعل الذي يجب إبعاده.
ولما علم أن ما بين الطرفين المذمومين يكون عدلاً، صرح به في قوله :( قواماً ) أي عدلاً سواء بين الخلقين المذمومين : الإفراط والتفريط، تخلقاً بصفة قوله تعالى ) ) ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن نزل بقدر ما يشاء ( ) [ الشورى : ٢٧ ] وهذه صفة أصحاب محمد صلى الله عليه و رضي عنهم - كانوا لا يأكلون طعاماً للتنعم واللذة ولا يلبسون ثوباً للجمال والزينة، بل كانوا يأكلون ما يسد الجوعة، ويعين على العبادة، ويلبسون ما يستر العورة، ويكنّ ن الحر والقر، قال عمر رضي الله عنه : كفى سرفاً أن لا يشتهي الرجل شيئاً إلا اشتراه فأكله.
ولما ذكر ما تحلوا به من أصول الطاعات، بما لهم من العدل والإحسان بالأفعال والأقوال، في الأبدان والأموال، أتبعه ما تخلوا عنه من أمهات المعاصي التي هي الفحشاء والمنكر، فقال :( والذين لا يدعون ( رحمة لأنفسهم واستعمالاً للعدل ) مع


الصفحة التالية
Icon