صفحة رقم ٣٣٩
على تلك السيئات، لكونها ما كانت حسنات فبكتب لهم ثوابها بعزمهم الصادق على فعلها لو استقبلوا من أمرهم ما استدبروا، بحيث إذا رأى أحدهم تبديل سيائته ما رايتها - رواه مسلم في أواخر الإيمان من صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه رفعه.
ولما كان هذا أمراً لم تجر العادة بمثله، أخبر أنه صفته تعالى أزلاً وأبداً، فقال مكرراً للاسم الأعظم لئلا يقيد غفرانه شيء مما مضى :( وكان الله ( اي الذي له الجلال الإكرام على الإطلاع ) غفوراً ( اي ستوراً لذنوب كل من تاب بهذا الشرط ) رحيماً ( له بأن يعامله بالإكرام كما يعامل المرحوم فيعطيه مكان كل سيئة حسنة ؛ روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هذه الآية نزلت في أهل الشرك، لما نزل صدرها قال أهل مكة : فقد عدلنا بالله، وقتلنا النفس التي حرم الله، وأتينا الفواحش، فأنزل الله
٧٧ ( ) إلا من تاب - إلى - رحيماً ( ) ٧
[ الفرقان : ٧ ] ؛ وروي عنه أيضاً أنه قال : هذه مكية نسختها آية مدنية التي في سورة النساء.
أي على تقدير كونها عامة في المشرك وغيره ؛ وروي عنه انه قال في آية النساء : نزلت في آخر ما نزل، ولم ينسخها شيء.
وقد تقدم في سورة النساء الجواب عن هذا، وكذا ما رواه البخاري عنه في التفسير : إن ناساً من أهل الشرك كانوا قتلوا وأكثروا وزنوا وأكثروا، فأتوا محمداً ( ﷺ ) فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة، فنزل
٧٧ ( ) والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ( ) ٧
[ الفرقان : ٦٨ ] ونزل
٧٧ ( ) يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ( ) ٧
[ الزمر : ٥٣ ].
ولما أشعرت الفاء بالتسبيب، ودل تأكيد الفعل بالمصدر على الاحتياج إلى عمل كثير ربما جل عن طوق البشر، وأشار إلى التطريق له بالوصفين العظيمين، أتبع ذلك بيان الطريق إليه بما أجرى من العادة فقال :( ومن تاب ) أي عن المعصية كفراً كانت أو ما دونه ) وعمل ( تصديقاً لادعائه التوبة.
ولما كان في سياق الترغيب، أعراه من التأكيد فقال :( صالحاً ( ولو كان كل من نيته عمله ضعيفاً ؛ ورغب سبحانه في ذلك بقوله معلماً أنه يصل إلى الله :( فإنه يتوب ) أي يرجع واصلاً ) إلى الله ) أي الذي له صفات الكمال، فهو يقبل التوبة عن عباده،