صفحة رقم ٣٤٨
الشعراء :( ٦ - ١٠ ) فقد كذبوا فسيأتيهم.....
) فَقَدْ كَذَّبُواْ فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتَ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( ( )
ولما كان حال المعرض عن الشيء حال المكذب به قال :( فقد ) أي فتسبب عن هذا الفعل منهم أنهم قد ) كذبوا ( اي حققوا التكذيب وقربوه كما تقدم آخر تلك، واستهزؤوا مع التكذيب بآياتنا.
ولما كان التكذيب بالوعيد سبباً في إيقاعه، وكان حالهم في تكذيبهم له ( ﷺ ) حال المستهزىء لأن من كذب بشيء خف عنده قدره، فصار عرضة للهزء، قال مهدداً :( فسيأتيهم ( سببه بالفاء وحققه بالسين، وقلل التنفيس عما في آخر الفرقان ليعلموا أن ما كذبوا به واقع.
وأنه ليس موضعاً للتكذيب بوجه ) أنباء ) أي عظيم أخبار وعواقب ) ما ) أي العذاب الذي ) كانوا ) أي كوناً كأنهم جبلوا عليه ) به ) أي خاصة لشدة إمعانهم في حقه وحده ) يستهزؤون ) أي يهزؤون، ولكنه عبر بالسين غشارة إلى أن حالهم في شدة الرغبة في ذلك الهزء حال الطالب له، وقد ضموا إليه التكذيب، فالآية من الاحتباك : ذكر التكذيب أولا دليلاً على حذفه ثانياً، والاستهزاء ثانياً دليلاً على حذف مثله أولاً.
ولما كانت رؤيتهم للآيات السماوية والأرضية الموجبة للانقياد والخضوع موجبة لإنكار تخلفهم عما تدعو إليه فضلاً عن الاستهزاء، وكان قد تقدم آخر تلك الحثُّ على تدبر بروج السماء وما يتبعها من الدلالات فكان التقدير : الم يروا غلى السماء كم أودعنا في بروجها وغيرها من آيات نافعة وضارة كالأمطار والصواعق، عطف عليه ما ينشأ عن ذلك في الأرض في قوله معجباً منهم :( أو لم يروا (.
ولما كانوا في عمى عن تدبر ذلك، عبر للدلالة عليه بحرف الغاية فقال :( إلى الأرض ) أي على سعتها واختالف نواحيها وتربها ؛ ونبه على كثرة ما صنع من جميع الأصناف فقال :( كم أنبتنا ( اي بما لنا من العظمة ) فيها ( بعد أن كانت يابسة ميتة لا نبات بها ) من كل زوج ) أي صنف مشاكل بعضه لبعض، فلم يبق صنف يليق بهم في العاجلة إلا أكثرنا من الإنبات منه ) كريم ) أي جم المنافع، محمود العواقب، لا خباثة فيه، من الأشجار والزروع وسائر النباتات على اختلاف ألوانها في زهورها وأنوارها، وطعومها وأقدراها، ومنافعها وأرواحها - إلى غير ذلك من أمور لا يحيط بها حداً ولا يحصيها عداً، إلا الذي خلقها، مع كونها تسقى بماء واحد ؛ والكريم وصف لكل ما يرضى في بابه ويحمد، وهو ضد اللئيم.


الصفحة التالية
Icon